Page 16 - m
P. 16

‫العـدد ‪55‬‬                             ‫‪14‬‬

       ‫لا شيطا ًنا‪ ،‬ثم صار بعد هذا الاعتقاد‬                      ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬
      ‫يسميه إسرافيل‪ ،‬وأخي ًرا صار يسميه‬
                                                ‫نفيل‪ ،‬وزاد ابن الجوزي على هؤلاء الأربعة‬
           ‫جبريل‪ ،‬والفضل في حصول هذا‬           ‫‪-‬كما يذكر معروف الرصافي في الشخصية‬
              ‫الاعتقاد لمحمد يرجع لخديجة‬      ‫المحمدية‪ -‬أبو بكر الصديق ورباب بن البراء‬
               ‫فإنها هي التي ثبتته وأزالت‬      ‫وأسعد بن كريب الحميري وقس بن ساعدة‬
                                  ‫خوفه»‪.‬‬
                       ‫نحن إذن أمام رجل‬                    ‫الأيادي وأبا قيس بن صرمة‪..‬‬
                  ‫حنيفي على دين إبراهيم‪،‬‬        ‫وفي سيرة ابن هشام‪ ،‬وفي كتب الأحاديث‪،‬‬
                     ‫ويرى أشياء لا يعرف‬         ‫حكايات متعددة تقول إن محم ًدا كان يرى‬
                   ‫كنهها‪ ،‬تزوج امرأة غنية‬       ‫بش ًرا لا يراهم غيره‪ ،‬وأشهر هذه الروايات‬
                   ‫وقوية في قومها وتكبره‬       ‫قصة فتح صدره وغسل قلبه ونزع مضغة‬
                    ‫بخمسة عشر عا ًما هي‬        ‫الشر منه‪“ :‬روى البيهقي في «دلائل النبوة»‬
                       ‫خديجة بنت خويلد‪،‬‬         ‫عن أصحاب رسول الله (ص) “أنهم قالوا‬
                   ‫استطاعت أن تقنعه بأن‬        ‫له‪ :‬أخبرنا عن نفسك‪ ،‬قال‪ :‬واسترضعت في‬
                   ‫ما يراه مل ًكا وليس جنًّا‬   ‫بني سعد بن بكر‪ ،‬فبينا أنا مع أخ لي في بهم‬
                   ‫أو شيطا ًنا‪ ،‬ثم حدث أنه‬    ‫لنا‪ ،‬أتاني رجلان عليهما ثياب بياض‪ ،‬معهما‬
                 ‫كان يعتكف بغار حراء في‬         ‫طست من ذهب مملوءة ثل ًجا‪ ،‬فأضجعاني‪،‬‬
                 ‫رمضان كعادة الحنيفيين‪،‬‬
                    ‫ومنهم جده أبو طالب‪،‬‬           ‫فش َّقا بطني‪ ،‬ثم استخرجا قلبي‪ ،‬فش َّقاه‪،‬‬
                  ‫فجاءه ما يجيء له عادة‪،‬‬      ‫فأخرجا منه علقة سوداء‪ ،‬فألقياها‪ ،‬ثم غسلا‬
                ‫وألقى عليه كلمات أصبحت‬
                                                 ‫قلبي وبطني بذلك الثلج‪ ،‬حتى إذا أنقيا ثم‬
           ‫الآيات الخمس الأولى من سورة‬         ‫رداه كما كان‪ ،‬ثم قال أحدهما لصاحبه‪ :‬زنه‬
               ‫العلق « اقرأ باسم ربك الذي‬      ‫بعشرة من أمته‪ ،‬فوزنني بعشرة‪ ،‬فوزنتهم‪،‬‬

          ‫خلق‪ ،‬خلق الإنسان من عل ٍق‪ ،‬اقرأ‬        ‫ثم قال‪ :‬زنه بمائة من أمته‪ ،‬فوزنني بمائة‬
        ‫وربك الأكرم‪ ،‬الذي علم بالقلم‪ ،‬علم‬            ‫فوزنتهم‪ ،‬ثم قال‪ :‬زنه بألف من أمته‪،‬‬
         ‫الإنسان ما لم يعلم”‪ ،‬ثم ذهب ولم‬
       ‫يعرف من هو‪ ،‬وعندما حكى لخديجة‬          ‫فوزنني بألف فوزنتهم‪ .‬فقال‪ :‬دعه عنك‪ ،‬فلو‬
    ‫انطلقت به إلى ورقة بن نوفل‪ ،‬فحكى له‪:‬‬        ‫وزنته بأمته لوزنهم” (صححه الألباني في‬
 ‫«جاءني جبريل‪ ،‬وأنا نائم‪ ،‬بنمط من ديباج‬                            ‫«الصحيحة» ‪.)1545‬‬
 ‫فيه كتاب‪ ،‬فقال اقرأ (‪ )...‬فقرأتها ثم انتهى‬     ‫وفي «الطبقات الكبرى» لابن سعد‪« :‬أخبرنا‬
         ‫فانصرف عني وهببت من نومي”‪.‬‬                ‫عفان بن مسل ٍم‪ .‬أخبرنا حماد بن سلمة‬
‫كل الروايات عن بدء الوحي بالآيات الخمس‬            ‫عن هشام بن عروة عن عروة أن رسول‬
  ‫لم تذكر أن «الملك جبريل» تحدث إلى النبي‬        ‫الله (ص) قال‪ :‬يا خديجة إني أرى ضو ًءا‬
‫‪-‬كما تحدث الله بنفسه إلى موسى في الوادي‬         ‫وأسمع صو ًتا‪ .‬لقد خشيت أن أكون كاهنًا‪.‬‬
      ‫المقدس‪ -‬ليخبره أن الله اختاره ليكون‬        ‫فقالت‪ :‬إن الله لا يفعل بك ذلك يا ابن عبد‬
‫رسو ًل إلى قومه‪ ،‬هو رأى ما رأى ‪-‬كما كان‬            ‫الله‪ .‬إنك تصدق الحديث وتؤدي الأمانة‬
 ‫يرى دائ ًما‪ ،-‬وسمع ‪-‬مثلما كان يسمع‪ -‬ثم‬       ‫وتصل الرحم”‪ .‬ويذكر معروف الرصافي في‬
  ‫حكى لخديجة ما لا يعرف ماهيته‪“ ،‬فقالت‬         ‫«الشخصية المحمدية”‪“ :‬أن محم ًدا بقي مدة‬
‫‪-‬كما في الطبقات الكبرى أي ًضا‪ :-‬لم يكن الله‬      ‫من الزمن مديدة لا يعلم ما هو هذا الرئي‬

                                              ‫الذي يراه أهو ملك أم شيطان‪ ،‬حتى لقد ظنَّ ُه‬
                                                ‫تاب ًعا من الجن كالتابع الذي يكون لل ُك َّهان‪،‬‬
                                                 ‫فقال لخديجة لقد خشيت أن أكون كاهنًا‪،‬‬
                                                  ‫ولكنه صار أخي ًرا يعتقد أن ما يراه مل ًكا‬
   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21