Page 13 - m
P. 13
افتتاحية 1 1
أبعث حيَّا ،ذلك عيسى ابن مريم قول الحق بنت عمران ،وأسلمنا هذا الحلم لسلسلة من
الذي فيه يمترون ،ما كان لله أن يتخذ من (الأحلام) شيَّدت عقيدة سماوية أتباعها هم
ول ٍد سبحانه إذا قضى أم ًرا فإنما يقول له الأكبر في العالم اليوم ..لا أقول إنه لم يحلم
أو إن الحلم ليس وحيًا بالضرورة ،فهذا لا
كن فيكون”( .الآيات )35 :16 يعنيني ،ولكني أريد التركيز على أن (الحلم)
سأتوقف هنا أمام ثلاث جمل وردت في
الآيات ولم تأخذ حقهما من الدرس كما أظن، فعل خاص بشخص واحد ،لم يشهده أحد
الأولى «انتبذت من أهلها مكا ًنا شرق َّيا”، غيره!
فالسؤال الذي شغلني هو :لماذا تنتبذ (أو
تتجنب) أهلها؟ حين رجعت إلى تفسير هذه هي الرواية المسيحية ،فما هي
الطبري رأيت المفسرين مشغولين بـ»المكان الرواية الإسلامية عن مولد (عيسى)
الشرقي» وما هو ،ولماذا شرقي وليس
غربيًّا ،ولم ينتبه أحد لعلة التجنب نفسها! ونبوته ،حتى نقارن بينهما؟
الإشارة الوحيدة أنها كانت حائ ًضا ،فهل كل عشرون آية من (سورة مريم) تروي قصة
الحائضات ُك َّن يتجنبن أهلهن وقت الحيض؟ ميلاد (عيسى) و(نبوته) في ( )192كلمة
هل كان طبيعيًّا في هذا الزمان أن تترك (فتاة
عذراء) أهلها لتحيض بعي ًدا عنهم ثم تعود فقط -لاحظ أنني أضع كلمتي :عيسى
إليهم حين تتطهر؟ أتصور أن الإجابة :لا. ونبوة ،بين قوسين لأعود إليهما ،-تقول
الجملة الثانية «فتمثل لها بش ًرا سو َّيا”، الآيات“ :واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت
وهذا يعني -خلا ًفا لما نعرف -أن عيسى من أهلها مكا ًنا شرق َّيا ،فاتخذت من دونهم
جاء نتيجة مواقعة حقيقية بين أمه مريم بنت حجا ًبا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بش ًرا
عمران وبين بش ٍر سو ٍّي ،أي كامل الاستواء، سو َّيا ،قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن
وليس من مجرد (نفخة) غير مرئية ،ثمة كنت تقيَّا ،قال إنما أنا رسول ربك لأهب
رجل واقعها إذن ،لكنه ،وهنا الجملة الثالثة لك غلا ًما زكيَّا ،قالت أنى يكون لي غلا ٌم
المهمة( ،قال) لها «إنما أنا رسول ربك”، ولم يمسسني بش ٌر ولم أك بغيَّا ،قال كذلك
قال ربك هو علي هي ٌن ولنجعله آي ًة للناس
فمن أين عرفت أنه رسول ربها؟ لماذا
صدقته؟ النصوص لا تقول ،لكنها تعتمد على ورحم ًة منا وكان أم ًرا مقضيَّا ،فحملته
قدسية الرواية التي أنتجت (عيسى) (النبي) فانتبذت به مكا ًنا قصيَّا ،فأجاءها المخاض
الذي يتبعه حوالي ثلث سكان الأرض حاليًا. إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا
وكنت نسيًا منسيَّا ،فناداها من تحتها ألا
لكن الطبري يفسر ذلك بالقول« :حدثني تحزني قد جعل ربك تحتك سر َّيا ،وهزي
موسى ،قال :ثنا عمرو ،قال :ثنا أسباط، إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيَّا،
عن السدي ،قال :فلما ط ُه َر ْت ،يعني مريم فكلي واشربي وق ِّري عينًا فإما ترين من
من حيضها ،إذا هي برجل معها ،وهو قوله البشر أح ًدا فقولي إني نذرت للرحمن صو ًما
فلن أكلم اليوم إنسيَّا ،فأتت به قومها تحمله
(فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بش ًرا قالوا يا مريم لقد جئت شيئًا فر َّيا ،يا أخت
سو َّيا) يقول تعالى ذكره :فتشبه لها في هارون ما كان أبوك امرأ سو ٍء وما كانت
صورة آدم ٍّي سو ِّي الخلق منهم ،يعني في أمك بغيَّا ،فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من
صورة رجل من بني آدم معتدل الخلق”. كان في المهد صبيَّا ،قال إني عبد الله آتاني
ثمة فروق كثيرة بين الروايتين :المسيحية الكتاب وجعلني نبيَّا ،وجعلني مبار ًكا أين ما
كنتوأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت
والإسلامية ،سأحاول رصد بعضها: حيَّا ،وب ًّرا بوالدتي ولم يجعلني جبا ًرا شقيَّا،
-1الرواية المسيحية انبنت على مجموعة والسلام عليَّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم