Page 17 - m
P. 17

‫‪15‬‬  ‫افتتاحية‬

    ‫إن عدت إلى قاعدة طه حسين في نزع القداسة‬                        ‫صفحة من العهد الجديد باليونانية‬
    ‫حتى يتسنى لي مناقشة الأمر بشكل منطقي‪،‬‬
     ‫فأنا سأقف أمام عدة نقاط‪ :‬الأولى أن الله لو‬        ‫ليفعل بك ذلك يا ابن عبد الله‪ .‬ثم أتت ورقة‬
    ‫أراد أن يخبر محم ًدا أنه رسول فلِ َم لم يخبره‬    ‫بن نوف ٍل فذكرت له ذلك‪ .‬فقال‪ :‬إن يك صاد ًقا‬
    ‫كما أخبر موسى‪ ،‬أو أن يجعل جبري َل يتحدث‬          ‫فهذا نامو ٌس مثل ناموس موسى‪ .‬فإن يبعث‬

        ‫إليه‪ ،‬لكن هذا لم يحدث‪ ،‬لننتقل إلى النقطة‬         ‫وأنا حي فسأعزره وأنصره وأؤمن به”‪.‬‬
     ‫الثانية‪ ،‬وهي أن خديجة تميل إلى أنه صادق‬
      ‫ويؤدي الأمانة‪ ،‬وبالتالي فـ(من المرجح) أن‬

       ‫الذي يأتيه مل ٌك وليس جنًّا أو شيطا ًنا‪ ،‬من‬
    ‫المرجح لأنه ليس ثمة شيء مؤكد‪ ،‬يبقى رأيها‬

       ‫احتما ًل من عدة احتمالات‪ .‬والنقطة الثالثة‬
       ‫أن السردية الإسلامية وضعت أمر النبوة‬
     ‫كله في يد ورقة بن نوفل‪ ،‬وكأنه يملك اليقين‬
    ‫ويستطيع أن يحكم على أمر جلل كأمر النبوة‬
      ‫بهذه البساطة المخلة! ومع ذلك فإن ما قاله‬

                       ‫ورقة ليس قاط ًعا أي ًضا!‬
       ‫ورقة قال جملتين في غاية الأهمية‪ :‬الأولى‬
     ‫“إن ي ُك صاد ًقا”‪ ،‬أي أنه احتمل الصدق كما‬
    ‫احتمل غيره‪ ،‬وغيره ليس الكذب فيما أتصور‬
     ‫ونحن نتحدث عن إنسان عرف عنه الصدق‪،‬‬

          ‫ولكن اختلاط الأمر‪ ،‬أو التهيؤ‪ .‬والثانية‬
       ‫«فإن يبعث وأنا حي”‪ ،‬وهذا معناه أنه لم‬
       ‫يتعامل مع الحكاية على أنها (بعث)‪ ،‬وإنما‬

                                  ‫(الناموس)‪.‬‬
        ‫نحن إذن أمام قصة ظنيَّة أطرافها جمي ًعا‬
    ‫بشر كيفوها على حسب رؤيتهم‪ ،‬وعلى الرغم‬
      ‫من أن السردية الإسلامية بالغت في تعظيم‬
        ‫قدر ورقة بن نوفل‪ ،‬باعتبار أنه هو الذي‬
     ‫(ق َّدر) أن تلك رسالة إلهية‪ ،‬فإنه يظل بش ًرا‪،‬‬
        ‫بل إن بعض الروايات تقول إنه لم يدخل‬
       ‫الإسلام حتى مات مثل الحنيفيين الأربعة‬
       ‫الذين لم يسلموا‪ ،‬بل إن أحدهم وهو عبيد‬
       ‫الله بن جحش‪ ،‬وهو ابن عمة محمد أميمة‬
     ‫بنت عبد المطلب ‪-‬كما يقول الرصافي‪ -‬أدرك‬
      ‫البعثة وأسلم وهاجر إلى الحبشة مع امرأته‬
     ‫أم حبيبة بنت أبي سفيان‪ ،‬فلما قد َم َها تن َّصر‬
     ‫حتى مات نصرانيًّا‪ ،‬وكان يمر على المسلمين‬
      ‫ويقول لهم «فتحنا وصأصأتم‪ ،‬أي أبصرنا‬

                        ‫وأنتم تلتمسون البصر!‬
   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22