Page 22 - m
P. 22
تأسيس أي من تلك المقولات ،وهو توجه ترجع أهمية بحث الكاتب لثنائية
نوعي ينأى بنفسه عن المغالاة في الأحكام،
الشفاهية /الكتابية للوصول إلى
و َ ِّل عنق النصوص لاستنباط ما ليس
فيها. المقدار الذي ترسب في عقلية طه
()2 حسين من الشفاهية بعد تحوله
حفر الكاتب فيما وراء ظواهر مقدمات الجذري من شيخ العامود إلى خريج
العميد قدي ًما وعينه على ما نعانيه من السوربون ،ليس هذا وحسب ،وإنما
آفات بحثية معاصرة ،هذا المسار المزدوج
محاولة قياس تأثير تلك الشفاهية
سيستمر معنا على مدار الفصل الثاني
المترسبة في عقله على تحصيل
من الكتاب (طه حسين -شيخ العامود)
المعرفة وإنتاجها ،ولم يكن ذلك
ففي معرض بحثه عن ملامح التجربة
في ذاته هو الهدف النهائي ،وإنما
المعرفية عند طه حسين؛ يناقش الفرق
الوصول إلى كيفية إدارة العميد
بين الأدبيات الشفاهية القديمة وأدبيات
لقضية الانتحال الكبرى..
الكتابة الحديثة في الكتابة والبحث العلميين
ثقافيًّا؛ فلن تجد شيئًا من ذلك ،وإنما ستجد ما له
(ص ،)60 -59ليخرج لنا بملاحظات علاقة بنقد فكري قائم على أرضية ثقافية أصيلة في
جديرة بالتأمل ،منها على سبيل المثال خلفية ذلك الخطاب.
لقد ألح الكاتب على خصوصية التجربة المعرفية
أن التأسيس العلمي الشفاهي في طوره
لدى طه حسين ،وهو مما لا يختلف عليه أي
الأول (الكتاب /الأزهر) فرض على العقلية متأمل لمنجز الرجل في هوامشه الفريدة ،ولم يكن
إلحاح بكر إلحا ًحا خطابيًّا ،بل جاء مدعو ًما بمقدرة
الشفاهية ما يشبه اختزال المصادر وذوبانها نافذة على تأويل ما استضافه من أقوال العميد في
في ذهن حسين ،بحيث تتداخل أقواله مع أقوال مقدماته ،وخصوصا مقدمة كتاب (مع المتنبي)
ليثبت (من أقوال العميد نفسه) أنه رجل عنيد مع
الآخرين حال كتابته أو إملائه على آخرين ،أي أن نفسه ومع الناس ،يؤثر المعاناة على المتعة وإراحة
الكاتب ذا الخلفية العلمية الشفاهية لم يكن يعنى النفس.
لقد ن َّقب بكر فيما خلَّف ظاهر نص العميد في
بفكرة إثبات مصادره (التوثيق) أثناء كتابة كثي ًرا مقدمته ليصل (دون تعسف) إلى تبجيل فكرة
ومن ثم أُش ِكل الأمر على القراء بما حمل بحثه، الجهد الشديد في البحث والإبداع وصو ًل إلى نتائج
نوعية لا تكرار لسابق فيها ،فيستخرج من كلمات
بعضهم أحيا ًنا على اتهام هؤلاء بالسرقة العلمية طه حسين ما يستحضره من مقولات النقد الحديث
عن نظرية التلقي والقارئ الضمني وموت المؤلف
لعدم الإشارة إلى المصادر وتوثيقها في هوامش (ص ،)47من دون إصرار على إقحام العميد في
المتون.
لم يقدم بكر رأ ًيا قاط ًعا حول ظاهرة عدم التوثيق
على الرغم من براعته في وصف ملابساتها ،ولكنه
أشار بطرف خفيف من التهكم على شيوع تلك
الظاهرة لدى طلاب العميد عبر ثلاثة أجيال لاحقة،
على الرغم من اكتمال تجربتهم الكتابية ،وكأنهم
أبواب علم قائمة بذاتها ،معتمدين على مكانتهم
العلمية والاجتماعية ،على حد وصفه ،فكرة التهكم
هنا تعكس التزام بكر بأصول الكتابة العلمية
واشتراطاتها ،وهو ما ترجمه بدقة لافتة في هذا
الكتاب وما سبقه من كتب.