Page 23 - m
P. 23
21 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
()3 انتبه الكاتب إلى أن طه حسين لم يكن صاحب
تجربة شفاهية فقط ،وإن انتسب إلى الشفاهية
مع بلوغ الفصل الثالث من الكتاب والمعني انتسا ًبا أصي ًل من جهتين :فقد البصر ،وطبيعة
بـ(مشكلات الثقافة ومشكلات القراءة)؛ تتجلى التعليم الذي تلقاه في مطلع حياته العلمية ثانيًا،
الأنا الناقدة لأيمن بكر في طورها المسؤول ،أعني والجهتان اعتمدتا اعتما ًدا كليًّا على التلقين والحفظ
طورها المتجاوز مهمة إتمام البحث الذي بين يديه شفاهة ،وفي الوقت نفسه حظي بتجربة كتابية
بسلام إلى المسؤولية الأشمل التي تعنى بجدوى مكتملة فيما تلا ذلك في فرنسا ،أي أن الرجل عاش
البحث وأثره ومن ثم علاقته بمستقبل الثقافة في التجربتين الشفاهية والكتابية على حد سواء ،هذا
أمته ،فهو يدعو إلى إعادة قراءة مشروع طه حسين العرض السابق لمحتوى الفصل الثاني من الكتاب
عن مستقبل الثقافة في مصر ،ويقترح خطة بديلة يمكن وصفه بذكاء الكاتب في التقاط الفكرة وتنقيبه
لعجز الثقافة الحالية عن قراءة أصولها الفكرية في في الهوامش ليصل إلى ما لم يسبقه إليه الآخرون،
منجز الأوائل الكبار ،بالتحليل المعمق لها مرة بعد
أخرى ،وإقامة ُبنى فكرية على تلك الأصول بالاتفاق فما أهمية ذلك هنا؟
أو النقد والتحليل ،ولتحقيق ذلك حذر من آفتين ترجع أهمية بحث الكاتب لثنائية الشفاهية /الكتابية
أثناء عملية إعادة القراءة ،الأولى الأحكام العمومية
المطلقة ،بما يضمن الوعي بوجود أمراض ثقافية للوصول إلى المقدار الذي ترسب في عقلية طه
لتجنبها ،والثانية سوء الاستغلال السياسي في حسين من الشفاهية بعد تحوله الجذري من شيخ
قراءة منجزنا الفكري عبر الإجمال المخل ،وإن كانت العامود إلى خريج السوربون ،ليس هذا وحسب،
تحذيرات بكر ليست الأولى في هذا السياق إلا أنني وإنما محاولة قياس تأثير تلك الشفاهية المترسبة
أزعم أنه يقف في الطليعة من هؤلاء الذين سبقوه، في عقله على تحصيل المعرفة وإنتاجها ،ولم يكن ذلك
ربما للطبيعة الحجاجية الدامغة التي عرض بها في ذاته هو الهدف النهائي ،وإنما الوصول إلى كيفية
إدارة العميد لقضية الانتحال الكبرى التي شغلت
دعاواه. الناس بداية القرن العشرين ،هذا الرصد الدؤوب
افتتح بكر مناقشته كتاب العميد (مستقبل الثقافة
عبر التأويل المعمق قاده إلى المفارقة التي توصل
في مصر) بسؤال جوهري :هل كان الكتاب عن إليها بأن طه حسين صاحب العقلية الشفاهية شكك
الثقافة أم عن التعليم؟ وبتجاوز الافتراضات
في قدرة هذه العقلية على حفظ المادة المعرفية/
الكثيرة التي طرحها في معرض إجابته عن هذا الشعر (ص 85وما بعدها).
السؤال ،فإن
مناقشته
أفكار العميد
بلغت من
النضج درجة
لا تستطيع
معها إلا
التسليم بجل
ما ذهب إليه،
إذ ربط توقيت
صدور الكتاب
بالملابسات
العالمية حول