Page 25 - m
P. 25
23 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
حرفيًّا على الواقع ،وأخرى تم تحصيلها من لأيمن بكر ،خارج هذا الكتاب ،رأي في مسألة
التجربة الشخصية في الواقع ،مما حدا به إلى تعلم اللغات ،فكثي ًرا ما تحدث عن أهمية قراءة
مناقشة اصطلاح (الموقف النصي) عند إدوارد
سعيد وعلاقة ذلك بالتجربة المعرفية ،كل ذلك المادة في مصدرها الأصلي من واقع تجربته
قاده إلى علة رفض العميد لكتاب (رجعة أبي الشخصية ،وهذا رأي يكاد يكون عا ًّما لدى كثير
من العارفين ولا خلاف عليه ،لكن الإضافة التي
العلاء) لأنه غلَّب العقل المتفلسف والموقف
النصي على الخيال ،فبدا قاط ًعا لا نسبية فيه، حققها هنا هي مناقشته القضايا المعرفية التي
الأمر الذي انتبه إليه المويلحي في حديث عيسى طرحها حسين في مقالاته الصحفية ،بكثير من
بن هشام. التأني والعمق ،وتفنيده دعوة العميد لحتمية
ناقش الكاتب اختلاف خطاب العميد في مقدمتي تعلم النقاد والمفكرين أكثر من لغة أجنبية،
كتابيه (مع المتنبي) و(صوت أبي العلاء) ،من بوصفها روافد معرفية أساسية لأي صاحب
حيث الدخول مباشرة في الحديث عن أبي العلاء قلم.
على العكس مما حدث في مقدمته عن المتنبي، تطرق بكر إلى قضية خلاف العميد مع العقاد
حيث تظهر مقدمة (مع المتنبي) ملامح التجربة وناقش طبيعتها وملابساتها وما يمكن
المعرفية مثل العناد في التمسك بالقناعات، استخلاصه في عدد من النتائج اللافتة ،منها:
والإصرار على العمل وف ًقا لتلك القناعات ،وإن * احترام الرجلين بعضهما البعض وحرصهما
اصطدمت بالقار في الثقافة الجمعية لمحيطه، على تبادل إنتاجهما الأدبي ،ولفت الانتباه إلى
وقد أرجع بكر اختلاف مقدمة صوت أبي العلاء ما عليه الواقع الأدبي الآن ،وسياق الحديث هنا
قراءة حسين لكتاب العقاد (رجعة أبي العلاء).
إلى أن العميد تحدث عن نفسه حين وصف
أبا العلاء ،وأنه قيَّم نفسه حين قيَّم أبا العلاء، * تتبع بكر سمات الخطاب النقدي للعميد في
وعاب زمانه ومعاصريه حين عاب زمان المعري نقده كتاب العقاد وربط تلك السمات بملامح
ومعاصريه ،لكن السؤال الفارض نفسه هنا :هل التجربة المعرفية للعميد ،بحيث ج َّل المفارقة بين
من الممكن الاطمئنان لهذه الفرضيات المطلقة؟ الرجلين ،حيث الطبيعة القلقة والتوجس عند
يصعب ذلك في الغالب ،إلا إذا كانت نتاج تأمل العميد في مقابل يقين العقاد بصواب خلاصاته
وإحاطة وتأويل معمق وفي إطار منطق الرؤية،
وهو ما أظن أنه تحقق لأيمن بكر في هذا الكتاب التي توصل إليها.
* ميز بكر بين نوعين من المعرفة ،معرفة تم
القيم. تحصيلها من الكتب ،يحاول صاحبها تطبيقها
أخي ًرا ..اختتم أيمن بكر كتابه بالحديث عن
خاتمة العميد في (صوت أبي العلاء) وفق ثنائية
الصوت /الصدى ،التي انتقلت بثنائية النص/
الشرح ،إلى ثنائية المعري /حسين على مستوى
التجربة الفكرية ككل وفق بكر ،وهو ما يجعل
موضوع هذا الكتاب ارتيا ًدا للمناطق الشائكة
التي يتهيب الكثيرون الاقتراب منها ،وتلك قيمة
أخرى تضاف إلى قائمة القيم التي استهدفها
الكتاب ،وإن كان من خلاصة هنا فهي أن غوص
أيمن بكر في هوامش العميد يعد في ذاته عم ًل
ذكيًّا ،واستطاع بدأب ومثابرة أن ينتج متنه
الخاص في سياق من النقد الفكري الرفيع