Page 21 - m
P. 21

‫‪19‬‬              ‫إبداع ومبدعون‬

                ‫رؤى نقدية‬

                                                               ‫القاسية على نفسه في تلك‬

                                                               ‫المقدمات‪ ،‬لذا استحقت‬

                                                               ‫أن تكون موضوعات‬

                                                               ‫لبحوث معمقة‪ ،‬وشرع‬

                                                               ‫بكر في تأسيس مفهوم ما‬

                                                               ‫سماه في عنوانه الشارح‬

                                                               ‫بـ(التجربة المعرفية) عند‬

                                                               ‫العميد من خلال هوامشه‪،‬‬

                                                               ‫فما تلك التجربة المعرفية‬

                                                               ‫التي هدف إلى استقصائها‬

                                                               ‫واستنفذت منه الفصل‬
                                                               ‫الأول كام ًل؟‬

                                                               ‫ع َّرف بكر التجربة المعرفية‬
                                                               ‫بأنها مجموعة القواعد‬

                                                               ‫العميقة غير الواعية غالبًا‪،‬‬
                                                               ‫التي تحدد أهداف التوجه‬
‫أحمد أبو خنيجر‬  ‫أيمن بكر‬                              ‫طه حسين‬     ‫نحو المعرفة‪ ،‬ثم طرق‬

               ‫الحياة في سكونها الأ َّول ِّي (ص‪.)20‬‬            ‫التعامل معها تحصي ًل‬
   ‫وبعي ًدا عن أهمية لجوء الكاتب إلى ثنائية الـ(كا)‬
   ‫والـ(با) لتجلية مفهوم التجربة المعرفية لدى طه‬          ‫وإنتا ًجا‪ ،‬وأنها لا تشمل العمل الفكري والبحثي‬
‫حسين وجدواها في هذا السياق‪ ،‬هناك ما استوقفني‬          ‫وحدهما بل كذلك الإبداع بأنواعه‪ ،‬أي المجالات التي‬
    ‫مط َّو ًل أمام وصفه تلك التجربة بأنها (مجموعة‬
‫القواعد العميقة غير الواعية)‪ ،‬لأنني وجدت صعوبة‬        ‫تقوم جمي ًعا على التجربة المعرفية للمبدع‪ ،‬والقواعد‬
 ‫في قياس فكرة اللاوعي في هذا السياق‪ ،‬ناهيك عن‬         ‫العميقة عند الباحث والمفكر والمبدع تمثل ما يشبه‬
     ‫طبيعة عمقها‪ ،‬فهذان الأمران (إن كنت أحسنت‬
‫الفهم) لم يكونا على مستوى جسارة حضور الذات‬            ‫الاختيار الوجودي بأكثر مما تمثل انتقا ًء واعيًا‬
                                                      ‫لمنهجية يفضلها لتوجه تحليلي معين (ص‪.)12‬‬
              ‫المبصرة لأيمن على مدار الكتاب كله‪.‬‬
    ‫ما يشغلني هنا هو طبيعة الخطاب النقدي لبكر‬         ‫استقصى الكاتب وجو ًها عديدة لتجلية مفهوم‬
  ‫في هذا الكتاب‪ ،‬بد ًءا من اقتناص فكرة البحث التي‬          ‫التجربة المعرفية وصفاتها‪ ،‬وف َّرق بينها وبين‬
 ‫تبدو لي جديدة مدهشة‪ ،‬وطول نفس الإنصات لكل‬            ‫المنهجية بوصف الأخيرة اختيا ًرا واعيًا سل ًفا‪ ،‬وأنها‬
   ‫تفصيلة مما اقتبسه من مقدمات العميد مشفو ًعا‬
   ‫بتحليلات معمقة ج ًّدا‪ ،‬بدت لي إضافة جديدة على‬        ‫مما تشمله التجربة المعرفية‪ ،‬كون الأخيرة تتسم‬
    ‫الخطاب النقدي لبكر عمو ًما‪ ،‬وصو ًل إلى الاتكاء‬
 ‫على لغة وسطية تبتعد عن العادية والتقعر م ًعا‪ ،‬لغة‬    ‫بالاستمرارية واحتواء العناصر الجزئية ومنها‬
  ‫لا تسم إلا صاحبها في دأبه وجدة أفكاره ومرونة‬
    ‫الامتداد مع الفكرة إلى نهايتها‪ ،‬واستيفاء كل ما‬    ‫المنهجية‪ ،‬ولأنها (التجربة المعرفية) عصية على‬
‫يجعلها راسخة مؤثرة‪ ،‬وعندما تفكر أو تتساءل عن‬
‫كنه هذا الخطاب وماهيته‪ ،‬وما إن كان نق ًدا أدبيًّا أو‬  ‫القولبة أو التثبيت والجزم واليقين المطلق حسب‬

                                                      ‫بكر؛ فقد وظف ثنائية الـ(كا) والـ(با) في لغة‬

                                                      ‫قدماء المصريين لتقريب المفهوم‪ ،‬ورآها (التجربة‬

                                                      ‫المعرفية) في الـ(كا) بوصفها الطاقة التي تعمل‬

                                                      ‫على حدوث الانقسامية وتأتي بنا إلى العالم المادي‪،‬‬

                                                      ‫وتعمل على اتساع الكون وانتشاره‪ ،‬وتمثل طاقة‬

                                                      ‫الخلق والإبداع في الشخصية (ص‪ ،)18‬أما الـ(با)‬

                                                      ‫فعرفها بكر بأنها تتصل بالحياة الغفل الهادئة التي‬

                                                      ‫يتم تصويرها مستكينة في ظل شجرة‪ ،‬وأنها طاقة‬
   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26