Page 64 - m
P. 64

‫من الحيل النفسية التي يلجأ‬

                                                    ‫إليها البشر ‪-‬ربما بشكل لا‬

                                                    ‫واعي‪ -‬استدعاء لحظات توهج‬

                                                    ‫الذات من الذاكرة لتمثل مد ًدا‬

                                                    ‫لتحمل قسوة الحاضر‪ ..‬وتخرج‬

                                                    ‫الشعرية في هذه الحالة من‬

                                                    ‫جماليات التماهي الكامل بين‬

                                                    ‫تفاصيل الزمن ْين والواقع ْين‪،‬‬

                                                    ‫والمفارقات التي تقتنص‬

                ‫مؤمن سمير‬                                ‫لحظا ٍت من الكشف الذي‬

‫معادل موضوعي للأمان والطمأنينة‬                      ‫يتوهج عند الاحتكاك القوي‪..‬‬
 ‫إلى رمز ْين للرعب‪« :‬قالوا كان أبو َك‬
‫يهيم هنا وهنا كلما مات قالوا أم َك‬                         ‫دقيقة وخاصة وموحية ومكتنزة بالتناقضات‪،‬‬
                                                       ‫هي لحظة مرور الغارة على المحبوسين في منازلهم‬
   ‫ساحرة قالوا الأب يتي ُه ب ْس ِو ِطه‬
‫فاختبئوا» ص‪ ،45‬ويمتد اللعب بمشاعر البطل إلى‬              ‫أو في الخنادق‪ ،‬حيث تتنفس الروح الصعداء بعد‬
‫المسرح المحيط‪« :‬قالوا لا قديس في شارعنا القتيل‬          ‫أن تلاقت مع ضعفها وج ًها لوجه‪ ،‬فتنكس رأسها‬

  ‫قالوا بائع الأنتيكات يسرق أرواحنا» ص‪،46‬‬                  ‫خج ًل‪ ،‬لكنها تمتلئ بالحكمة والمعرفة والخبرة‬
 ‫ونعود إلى قطط النص السابق فتكون الوصمة من‬                   ‫فترمز للأعداء بالقطط وللأصدقاء بالكلاب‪:‬‬
 ‫خلال هذه الكائنات الملتبسة‪« :‬قالوا منكم القطط‬
                                                        ‫«الكلاب تؤ ُجر عيونها للحزن‪ /‬القطط تشتري‬
     ‫وأنتم منهم قالوا أشباح القطط أشباحكم»‬              ‫الثور َة من باعة الرصيف» ص‪ ،26‬الطيبون هم‬
                                       ‫ص‪.46‬‬          ‫من يخافون ويموتون لك َّن أصحاب الأرواح المتعددة‬
                                                         ‫الذين يبدلون أشكالهم على الدوام لا ينتهون من‬
  ‫لقد ازدادت عزلة الذات بالعلاقة مع الآخر‪ ،‬وظل‬           ‫حياتنا‪« :‬الكلاب تموت في الحروب‪ /‬القطط لا‬
      ‫البشر الذين يحاصرونها بالمقولات والمواقف‬
                                                                                  ‫تموت أب ًدا» ص‪.26‬‬
   ‫الملتبسة‪ ،‬هم أنبياء لغربة هذه الذات على الدوام‪،‬‬       ‫وفي النص الثاني يتسع الأمر ويزداد تشظيًا إلى‬
‫رغم أن هؤلاء هم كل الميراث بعد الحرب التي أفنت‬         ‫مالا نهاية حيث يدخل البشر جمي ًعا في أتون اللعبة‬

  ‫الأرض بالسيول والبراكين‪ ،‬هؤلاء الذين يخبئهم‬               ‫ويدلون بدلوهم‪« :‬قالوا كلما نسيناهم قادوا‬
  ‫البطل في علبته‪ ،‬ورغم ذلك يسمعهم في كل وقت‪:‬‬            ‫ظلالنا» ص‪ ،45‬فيتشتت البطل ويتوهم أنه يوقن‬
   ‫«قالوا سفين ٌة تصب ذكرياتها في علبتك قالوا‬
                                                          ‫أو يحب أو يكره أو يخاف أو يرى أو يتذكر أو‬
    ‫العلب ُة صارت لغ ًما في الحروب» ص‪ ،45‬فلا‬          ‫يعمى‪ ..‬إلخ‪ ،‬جراء سهام الآخرين التي بدأت بالعبث‬
 ‫يتبقى له إذن إلا يقين الأرض التي ص َّفت حسابها‬
 ‫مع الجميع‪« :‬قالوا لا حب بعد اليافطة القادمة»‬              ‫في التاريخ الشخصي‪ ،‬وتحويل الأب والأم من‬

                                       ‫ص‪.45‬‬
   59   60   61   62   63   64   65   66   67   68   69