Page 63 - m
P. 63

‫‪61‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

‫في َّسر ِتها‪ /‬وقال كلما تركض‪ /‬في الغابة‪ /‬من‬                                           ‫به وصف القاتل‪ ،‬كما أن قلبي الخائن يؤكد‬
‫تحت إبطي‪ /‬أُخرج صور َة الوحش‪ /..‬فيطول‬                                              ‫باستمرار للمارة‪ ،‬من خلف َظهري‪ ،‬بأنني هو»‬
‫نزيف َك‪ /‬وآبا َرك ُيثملها ال َغرق» ص‪،44-33‬‬                                       ‫ص‪ ،29‬إنه يبحث عن قوته الموءودة طول السنوات‪،‬‬
‫حيث يمتد الرمز لبدء الخليقة فيتماهى البطل مع‬
                                                                                     ‫بالإيهام بأنه القاتل‪ ،‬رغم أنه أحب القتيلة وكان‬
   ‫الكون بأكمله‪ ،‬مع تواريخه وأمثولاته وحقائقه‬                                        ‫يحيا بقوة هذا الحب المكتوم‪« :‬وهل لو اعترفت‬
  ‫وتوهماته‪« :‬وأَو َقف ِني في الرقصة‪ /‬وقال أفوت‬                                   ‫بأنني قتل ُتها لما تم َّنعت علي في الكابوس الأخير‪،‬‬
 ‫على الأنغام‪ /‬فأنسى ِس ِّري‪ /‬وأسيب جحي ًما‪/‬‬                                      ‫هل ستوسعون غرفة السجن قلي ًل؟ هذه الغرف ُة‬
‫في انفلات الخطو‪ »..‬ص‪ ،35‬فكأنما هناك أغرا ًضا‬                                         ‫مسكون ٌة بأرواح من ُقتلوا فيها ومن تعذبوا‬
                                                                                 ‫ومن ذهلوا عن أسمائهم‪ ..‬هي مرتع لأفاع تخرج‬
‫أخرى مخفية تتوسل بالطقوس المعتادة لتبزغ في‬                                         ‫من الشقوق لتنظر وتدخل بلا توقف‪ ..‬الأغرب‬
                                                                                     ‫أن الصباح لا يتسلل من النافذة إلا إذا عوى‬
‫وقتها المعلوم الذي هو خف ُّي لكن ُه محفو ٌر في نور‬                                ‫ذئب ومر عبر الحديد الصدئ‪ ..‬لا أظنهم ير ُّبون‬
  ‫النور‪ .‬وربما تكون هذه الرؤى المغايرة مقدمة‬                                      ‫ذئا ًبا وثعالب ودبب ًة خارج غرفتي‪ ..‬هي أشياء‬
                                                                                    ‫مكلفة ح ًّقا وأنا في النهاية لا أستحق» ص‪،30‬‬
    ‫لمواجهة الفرع بأصله والظل بشجرته‪« :‬ليست‬                                          ‫تفكك الشعرية في هذا المحور قيم القوة والهيبة‬
‫الطريق واسع ٌة‪ /‬فأضيقها للطائرين‪ /..‬ف ِس ْبني‬                                    ‫وال َع َظمة والخوف وتحقنهم مرة بالسخرية وأخرى‬
‫أ ُش َّم َك من داخل أشباهي‪ /..‬في الع َباءة الطائرة‪/‬‬                                 ‫بالهتك وفضح المختبئ‪ ،‬وكذلك قيمة الزمن حيث‬
 ‫أو في ارتعاش‪ /‬خطا ِبك الأخير» ص‪ ،39‬فيكون‬                                          ‫تعيد تركيبه بعد أن تخل بالترتيب‪ ،‬وقيمة الأصل‬
                                                                                    ‫والفرع بعد أن تدمجهم في حكاية تروح وتجيء‬
‫الخطاب الشعري أقرب للبوح الساخن والصريح‪،‬‬                                          ‫كلعبة في يد طفل‪ ،‬وكأنها تهدف لإيصال أن ال ِشعر‬
                                                                                     ‫يعيد قراءتنا للحياة بعد أن يفتت جمود وتكلس‬
‫حيث تطالب الذات بعد أن أرهقها الوجد وحيرها‬                                          ‫مقدساتها الاجتماعية ويفسد آليات عمل التاريخ‬
‫وأذابها‪ ،‬أن تتعامل مع حبيب ٍة حقيقي ٍة من لحم‬                                     ‫المصنوع لصالح الرمز والمجاز والحكاية الساخرة‪،‬‬

‫ودم‪ ،‬بيقين أنها ستجد فيها نفخة الجمال السارية‬                                          ‫أو السوداء التي تطمح دائ ًما لأن تعيد القراءة‬
‫وهب ًة من الروح الصافية‪ .‬ثم لا ينتهي الأمر هنا‬                                                                 ‫وتقبض على ال ِسر‪.‬‬

‫بل تتسع المواجهة وتتمنى الذات أن تستعيد ذاتها‬                                             ‫‪ -3‬شعرية الإشراق‪:‬‬

‫التي فنيت توطئة لإدامتها في رو ٍح قريبة هي المجلى‬                                 ‫وينتظم هذا المحور َنص واحد كبير بعنوان « ُص َّرة‬
‫الدافئ والقريب‪ ،‬من مجالي النور‪« :‬وكلما يدوسني‬                                         ‫مختومة تحت السماء» يمتد من ص‪ 32‬وحتى‬
‫مهاسرًك ًاباث‪/‬قيوًأَل ُف‪ /‬أضم بسرحع بشهتيعلاىل َِّظصلِّر َِكة‪/‬‬
                                                                ‫البريق‪ ،‬أركض‬      ‫ص‪ 43‬ويتكون من سبعة مقاطع متفاوتة الحجم‪..‬‬
                                                                ‫النازل َة‪ /‬فأجد‬   ‫تغادر الشعرية هنا عالم الظاهر والشهود إلى عالم‬
    ‫الغافي‪ /،‬ف ُي ْثمر‪ »..‬ص‪.41‬‬                                                     ‫العرفان والباطن المتسع‪ ،‬ليس فقط لتل ُّمس الأنس‬

    ‫‪ -4‬شعرية التش ِّظي‪:‬‬                                                               ‫مع الحبيب الأعظم حين تتلاشى البشرية وما‬
                                                                                      ‫سوى ظله المحيط‪« :‬وأَوقف ِني في البئر‪ /‬وقال‬
‫ينتظم هذا المحور َن َّصان هما «حكمة ما بعد الغارة»‬                               ‫تجد كلما نسيت‪ /‬وكلما َن َظر َت ِني فيك‪ /‬أشوفك»‬
     ‫و»يستمع لمذياع َج ِّد ِه من شرف ٍة بعيدة»‪ ،‬حيث‬                                   ‫ص‪ ،35‬ولكن لإبراز توجهات جديدة في بعض‬
                                                                                  ‫المقاطع تمد الحبل إلى مناطق قد تقلب زوايا الرؤية‬
‫يط ُّل الشعر ويظهر من تناثر الكلمات والجمل التي‬                                    ‫أو تصيغ الفناء الصوفي من آبار أبعد‪« :‬وأَوقف ِني‬
 ‫تصنع فضا ًء سيرياليًّا كام ًل‪ ،‬يوم ُئ حينًا ويص ِّر ُح‬
‫حينًا‪ ،‬ويضر ُب بكل العنف في مرة ويشير بكل رق ٍة‬
  ‫أو رهاف ٍة في مرات‪ ..‬الِشعر هنا يدور معنا ويلهث‬

    ‫ويطير ليمسك بنجمات بعيدة‪ ،‬وربما يستخرج‬
‫حرابه مواف ًقا على القتل وصان ًعا للفخاخ وال ِشباك‪..‬‬

     ‫في النص الأول ينحت العنوان المسرح الذهني‬
  ‫للبطل وربما للمتلقي‪ ،‬حيث هو هنا لحظة نفسية‬
   58   59   60   61   62   63   64   65   66   67   68