Page 61 - m
P. 61

‫‪59‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

    ‫هذه المداخل الفنية‪ ،‬نحاول الدلوف إلى الديوان‬    ‫الفنية السحرية الملتصقة بكينونة ال ِشعر‪ ،‬لأن تخلق‬
‫عبرها‪ ،‬آملين أن تثبت صلاحيتها في مقاربة الفكرة‬      ‫حالات شعرية ُتسائل هذا العالم وتعيد تشكيله على‬

  ‫الأساس التي ارتأينا أن المبدع حاول تحقيقها في‬        ‫هيئة قصيدة‪ .‬وهكذا يحمل عنوان الديوان قيمة‬
                                     ‫عمله هذا‪:‬‬         ‫رمزية للبطل الهابط في أرض القلق الفني الزلقة‬
                                                        ‫بغير يقين‪ ،‬لكنه رغم هذا لا يغفل كونه الحامل‬
‫‪ -1‬شعرية ال َتع ِّري وتقشير ال ِظلال‪:‬‬                ‫القديم للاقتراحات ومقدم المحاولات اللاهثة طول‬
                                                       ‫الزمن الفني الأقدم‪ ،‬تلك التي تظل حية وتنبض‬
‫عبر الفن‪ ،‬يتم التأكيد هنا على أنه لا سبيل لاستكناه‬    ‫رغم جموح هاجس الاجتراح والتجديد ونشاطه‪،‬‬
        ‫جوهر الأشياء إلا عبر إزالة الحواجز الحية‬    ‫وبهذا يتحسس المبدع طريقه ببطء المتوجس‪ ،‬ولكن‬
                                                      ‫بامتلاء صاحب التاريخ السابق من الرؤى الفنية‬
     ‫الساخنة‪ ،‬وكذلك المتوهمة التي خلقتها الثقافة‬    ‫التي تم اختبارها‪ ،‬والتي ربما لن تنتهي صلاحيتها‬
   ‫والعرف والعادات والتقاليد‪ ،‬ومن أبرز العلاقات‬         ‫إذ لا نهاية مطل ًقا لأفق القصيدة‪ .‬إنه يحاول أن‬
  ‫الاجتماعية التي تحتاج إلى هذا الفعل‪ ،‬العلاقة بين‬     ‫يقنعنا بأن الِشعر لا يستحق أن ُيسجن في ِق ْد ٍر‬
  ‫الرجل والمرأة التي تحاط غالبًا بموجات من القمع‬     ‫واحد‪ ،‬ولا يليق به هذا خاصة وهو الذي أوهم كل‬
  ‫القائم على المراقبة والتلصص وهتك الخصوصية‪،‬‬          ‫متدل ٍه بأن (الطريق) إليه يخص (طريقته) وحده‪،‬‬
 ‫كذلك من أبرز العلاقات النفسية الغائمة التي تبدو‬    ‫بينما الحقيقة أن الجمال أكبر من الحصر في شعاع‬
   ‫دو ًما في حاجة إلى الكشف‪ ،‬علاقة الذات بنفسها‬
                                                                                      ‫ذهبي واحد‪..‬‬
      ‫‪-‬وتاريخها الشخصي‪ -‬التي قد تشبه دولا ًبا‬            ‫والحال هكذا‪ ،‬ربما يكون من الأوفق التعاطي‬
  ‫ضخ ًما يحوي أرتا ًل من الملابس التي تمثل جلو ًدا‬      ‫مع فهرس موا ٍز لفهرس قصائد الديوان‪ ،‬قمنا‬
                                                        ‫باقتراحه‪ ،‬لتتضح المداخل والقيم الجمالية التي‬
      ‫أخرى فوق الجلود‪ ،‬مما يثقل حركة الإنسان‬         ‫ارتأينا أن الشاعر اختبر صلاحيتها لإنتاج ال ِشعر‬
 ‫ويكبِّل تنفسه وانطلاقات روحه وإبداعاتها‪ .‬ينتظم‬      ‫عبر القصائد‪ .‬وهذه النوافذ أو الموتيفات الفنية أو‬
                                                    ‫العلامات الجمالية الكبيرة‪ ،‬تنتظم نصوص الديوان‬
    ‫هذا المحور قصيدة واحدة بعنوان «تمثالان من‬            ‫بالكامل‪ ،‬حيث يقدم بعضها ن ًّصا كبي ًرا واح ًدا‬
   ‫الحرير» تمتد من صفحة ‪ 11‬وحتى صفحة ‪،25‬‬                ‫وبعضها الآخر يجمع نصو ًصا مفردة متعددة‬
  ‫حيث يتماهى ال ِشعر مع هذا الجوهر النافذ للعمق‬        ‫ومختلفة‪ ،‬وهي كالتالي‪ِ :‬شعرية التع ِّري وتقشير‬
‫باعتباره القادر على تلمس حقيقة الأشياء وكينونتها‬
    ‫الأولى وحالتها البدائية الصادقة‪ ،‬ال ُغلف‪ ،‬بدون‬                  ‫الظلال‪ -‬شعرية التحليل وتفكيك‬
                                                                    ‫القيم‪ -‬شعرية الإشراق‪ -‬شعرية‬
        ‫أغطية من التصورات القدرية والتاريخية‪..‬‬                     ‫التشظي‪ -‬شعرية البوح ومواجهة‬
     ‫من أجل هذا ظهر هذا النص‬
  ‫عبر قصائد ومقاطع قصيرة بلا‬                                            ‫النوستالجيا‪ -‬شعرية الزمن‬
   ‫كلمات زائدة وبصياغة متخففة‬                                      ‫الحي أو الماضي المتمثل في صورة‬
 ‫من المجازات الثقيلة التي قد تدير‬
‫الرؤوس فتحجب الرؤية‪ .‬لقد كان‬                                             ‫حاضر‪ -‬شعرية الأسطورة‬
   ‫التعري كن ًزا محجو ًبا‪« :‬العر ُي‬                                 ‫وإعادة الخلق والتكوين‪ .‬وبالطبع‬
    ‫مرآة عجوز‪ /‬ظلت تحلق في‬
      ‫صندوق» ص‪ ،11‬حتى جاء‬                                              ‫لا ننفي التداخل بين الأغراض‬
   ‫الفعل الطامح للكشف‪« :‬أحرق‬                                        ‫والموضوعات‪ ،‬إذ قد يعبر نص ما‬
 ‫ملابسي كلها‪ /‬لأتنفس» ص‪،11‬‬                                          ‫عن أكثر من محور‪ ،‬لكننا حاولنا‬
      ‫ثم اكتشف ُت ذاتي باكتشا ِفك‬                                  ‫المقاربة واقتناص الشعرية وعملها‬
  ‫أيتها الحبيبة‪ /‬المثال‪« :‬أتعرى‪/‬‬                                    ‫عن طريق العلامات الأكثر امتدا ًدا‬
 ‫لأكشف ما تحت ِجلدك» ص‪،12‬‬
                                                                         ‫واتسا ًعا‪ ..‬وبعد أن اقترحنا‬
   56   57   58   59   60   61   62   63   64   65   66