Page 101 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 101
101 إبداع ومبدعون
قصــة
تنساب أمامه أشبا ٌح مألوفة ،منهم من صمد ومنهم من قد غادرت عقولنا إلى أيدينا .هل انتهت مه َّمتنا؟ هل
خان ،ومنهم من نقل بندقيته من كت ٍف إلى آخر .لكنه انتهينا؟
في النّهاية ظ ّل وحي ًدا .سقطت رايات الثّورة ،والجماهير كان َيعل ُم عنَّا ،أجز ُم أنه كان يعلم ،وإ ّل كيف يضربنا
التي حملت عبد الناصر كالق ِّديس ،توارت معه إلى قبره. الآن ضربته الوقائيَّة ،ضربته القاصمة؟
كيف كان لهذا أن يحدث؟ محا َصرون الآن ،وغ ًدا س ُنحا َكم و ُنرمى في ال ُّسجون،
والهار ُب منا منف ٌّي بعد أن يتسلَّل كاللص عبر الحدود.
لم يق َو على رفع عينيه عن الأرض .كان يسمع من هم
حول ُه همهما ٍت بعيدة .وكان يسمع انقبا َض قل ِب الطفل ِة أُقيل النّابلسي قبل أ ّيام ،والأحكام ال ُعرفيّة س ُتعلن
بعد أ ّيام لا ب َّد ،و ُيلقون الآن بكل الوطنيّين قوميّين
-المرأ ِة كتك ّس ٍر في عظام جمجمته .انقباض القلب: وشيوعيّين في ال ّسجون .لقد اس ُتع ِملنا م ّرتين .أ ّول مرة
يعرف هذا ال ّشعور ،يعرف ما يتركه في العقل من قرو ٍح لطرد أبو ْحنِيك :ص ّدقنا أنفسنا حينها وقلنا «تمام ،ها
نحن نصير جز ًءا أساسيًّا من معادلة البلد» .لكنّنا اليوم
لا تندمل .ضغط بأصابعه على رأسه المطأطأ ،لكن ُنستع َمل لطرد الوطنيّين ،لطرد أن ُفسنا ،يا لبؤسنا.
التك ّسر كان لا يزال يسير بعشوائي ِة ريش ٍة في مه ّب يقولون َط َّوقنا ع ّمان ،فما بالي أجلس في ال ّزرقاء
والطرق إلى هنا مسدود ٌة بالحواجز؟! جنود لواء عالية
الريح. زحفوا علينا من َخ ّو ،أحرقوا ال ّشاحنات على الطريق،
احتلوا مخازن ال ّذخيرة ،ويحاصرون نادي ال ّضباط،
شاهدهم جمي ًعا -رفاقه السابقين :-ال ّسفير ،والوزير، وها هي أصوا ُت ُهم تتعالى في الخارج« :يسقط أبو ُن ّوار.
ومدير المخابرات .مدير مخابرات؟ يا الله! من الضبَّاط يعيش الملك» .وأبو ُن ّوار لم َي ُقد انقلا ًبا ولا ما يحزنون.
لم نستلم أوامر ،ولا برقيّات ،بل لم نن ِّسق مع بعضنا
الأحرار إلى رئاسة المخابرات؟ أكنت أع ًمى إلى هذا حتى الآن ،نحن بيادق منثور ٌة على مساحة الخواء ،لم
الح ّد؟ لست وحدي كذلك ،فهناك حيث أُ ِّم َمت القناة ننضج بعد ،سب ُع سنين والمر َج ُل المتّ ِقد في صدورنا لم
و ُو ّزعت الأراضي على الفلاحين و ُشيَّد السد ،ركضوا
رك ًضا بعده ل ُيعلنوا من على مذبح الهيكل براءة أبناء يصهر جمود الحديد في رؤوسنا.
إسحق من دم إسماعيل وهم شهو ٌد على قتله وقتلهم، ُترى ماذا عل َّي أن أفعل؟ أصوات المدفعية تدوي من
ول ُيعلنوا أن ما للهيكل للهيكل ،وما لهم للهيكل أي ًضا. ال ّداخل ،وها هي الأخبار تصل من الخارج أ ّن ُمظاهرات
أ ُّي ُسقوط .أ ُّي ُخواء .أ ُّي عبث .سأتوارى مع المتواري َن مدنيّة اندلعت يقودها الإخوان المسلمون وصلت إلى
في قبره .ف ِشلنا ،لا ب َّد من الاعتراف ،لع ّل بموتنا يقو ُم
الجديد ويحياَ .ف ْ َل ُم ْت إ ًذا ،ل َأ ُمت الآ َن قبل أواني علَّني ب ّوابات المعسكر لتنض ّم إلى الجنود ال ُمحا ِصرين.
أجع ُل من جسدي سما ًدا لمن يحمل ال ّسيف بعدي، ُيقال لي الآن إ ّن معن هرب بعد أن انقلب عليه جنوده،
ل َأ ُمت« :ما يقولونه صحيح يا ابنتي ،»..عسى أن تثوري. وعل ّي طفق عائ ًدا إلى القصر بانتظار مصيره المحسوم،
نذير وخالد صارا عند الكتيبة ال ّسورية في المفرق ،أما
] [ Coffee n’ News, 2008 أنا فعال ٌق هنا .إ ّنها الك ّماشة النهائيّةُ ،طردنا من الحكومة
«سنتان اثنتان ،وبعدها س ُأطارد أحلامي». والجيش ،وس ُتطوى صفحتنا إلى الأبد.
«وما يمن ُع ِك الآن؟ تقولي َن إ َّنك حرة.»..
[ منزل العائلة]1979 ،
«أنا ح ّرة .هكذا علّمني أبي :أن أرفع رأسي ،وأعبّر عن
نفسي دون سواترِ ،ب ُعر ٍي كامل». «ما يقولونه صحيح يا ابنتي ،وكلّه لمصلحتك» .لم
يص ِّدق نفسه حين قال هذا ،كان ُمطر ًقا في الأرض،
«لو أ ّن ِك ح ًّقا ما تقولين ،لما أدمن ِت رفقتي! معي فقط
تكونين ما تريدين دون تح ُّفظات ،دون مراسم ،لا
س ّجاد أحمر عندي ولا تشريفات ،كيفما تكوني مقبو ٌل
بالنّسبة لي .لو ُكن ِت حر ًة َل ُك ْن ُت عاد ًّيا ج ًدا».