Page 99 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 99

‫‪99‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

     ‫تتر َّنح‪ ،‬لقد تر َّنحت ح ًّقا حتى أن أحد المحكمين‬    ‫ثم راحت الموسيقا تبتعد عائدة إلى المكان الذي‬
       ‫سارع بالقبض على يدها لكي لا تسقط أر ًضا‬              ‫انطلقت منه‪ ،‬وفجأة صاح الرئيس‪ :‬المركز الأول‬
                                                                 ‫ذهب إلى المهندسة المصرية حياة عيسى‪.‬‬
                                 ‫وأجلسها مكانه‪.‬‬
     ‫سكون القاعة جعل مصطفى يبدو كأنه ممثِّل‬              ‫ك َّشاف قوي ج ًّدا سلط ضوءه على حياة ورافقها‬
     ‫مسرحي أمسك بمفردات وتفاصيل دوره فراح‬                  ‫وهى تصعد إلى المسرح‪ ،‬حياة والرئيس فقط في‬
   ‫يؤديه بتم ُّكن نادر‪ ،‬لقد تجول على خشبة المسرح‬           ‫بؤرة ضوء مبهر‪ ،‬تصفيق جنوني يأتي من القاعة‬
  ‫وكأنها غرفته التي يعرفها وتعرفه‪ ،‬ثم فجأة توقف‬              ‫ترافقه زغاريد مصرية‪ ،‬عبارات استحسان تبدأ‬
 ‫مسل ًطا عينيه على الجمهور المأخوذ ليقول‪ :‬صفقتم‬               ‫بآوليه الإسبانية‪ ،‬وتنتهي بـيعيشك المغاربية‪.‬‬
    ‫لنموذج يستحق ما هو فوق المركز الأول‪ ،‬معكم‬             ‫ترمق حياة المشهد بقامة وعيون ملكة منتصرة‪.‬‬
     ‫عذركم‪ ،‬وذلك لأنكم لا تعرفونها‪ ،‬أنا أعرفها كما‬
‫أعرف كفي‪ ،‬هذه الجاموسة البيضاء الفاتنة لا تعرف‬           ‫سقط مصطفى في نوبة وعي لم يج ِّربها من قبل‪،‬‬
   ‫كيف ترسم مثلثًا‪ ،‬بل لا تعر ُف كيف ترسم دائرة‪،‬‬         ‫تأ َّمل عمارة حياة التي تعرضها الشاشة‪ ،‬هذا أجمل‬
 ‫بمالها أو بسطوتها أو بنفوذها أو بجسدها اغتصبت‬            ‫شيء يمكن لبشر أن يص ِّممه‪ ،‬لقد رأى مئات آلاف‬
 ‫فنًّا ناد ًرا لمهند ٍس نادر سيموت المسكين بحسرته‪،‬‬
 ‫أما أنا فلطالما ح َّذرت العالم كله من طلقتي الأخيرة‪،‬‬        ‫النماذج في حياته ولكن لم يخترق نموذج عقله‬
                                                          ‫وقلبه مثل عمارة حياة‪ ،‬لو كان هناك مركز أحسن‬
                             ‫التي سأصوبها الآن‪.‬‬
   ‫لم يستطع أحد إسكات مصطفى‪ ،‬لقد وقف ك ُّل‬                                            ‫من الأول لفازت به‪.‬‬
                                                           ‫نوبة الوعي شعر بها مصطفى وهى تصعد من‬
     ‫الحاضرين على أطراف أصابعهم خو ًفا من هذا‬             ‫قدميه حتى سيطرت على رأسه‪ ،‬إنه في تمام وعيه‬
             ‫المجنون الذي سيطلق النار بعد ثانية‪.‬‬
                                                                              ‫وفي قمة يقظة لم يبلغها قط‪.‬‬
‫في لمح البصر هجم مصطفى على حياة التي هبت‬                       ‫أشار بكل يديه للمصفقين والمهنئين طالبًا‬
 ‫واقفة وصفرة الموت تعلو وجهها‪ ،‬وبيدين قاسيتين‬
                                                                                           ‫الانصات إليه‪.‬‬
   ‫كأن الرحمة لم تخلق‪ ،‬مزق فستانها‪ ،‬كانت ضربة‬               ‫صمت الجميع في انتظار كلمة مصطفى الذي‬
  ‫واحدة أصبحت حياة بعدها عارية تما ًما‪ ،‬ليس على‬         ‫سلط عينيه على لجنة التحكيم ثم قال‪ :‬أشكر شرفكم‬
                                                          ‫الذي حكمتم به‪ ،‬فلولاه لقلت إنها ضاجعتكم جمي ًعا‬
    ‫جسدها سوى الحزام الستان المرصع بالأحجار‬
                                        ‫الكريمة‪.‬‬                                      ‫لتحصل على التاج‪.‬‬
                                                        ‫وفق أي حسابات كان الطبيعي أن تهجم حياة على‬
‫عندما تعالى الصراخ‪ ،‬ارتفع فوقه صوت مصطفى‬                 ‫مصطفى لا لتسكته بل لتسحقه‪ ،‬ولكن ما حدث كان‬
   ‫الذي وقف في وجه الجميع صائ ًحا‪ :‬بعد الليلة لن‬        ‫واح ًدا من تلك الاستثناءات التي لا تخلو منها الحياة‪،‬‬
                ‫تستر ك ُّل جوائز الأرض فضيحتها‪.‬‬
                                                              ‫جملة مصطفى جعلت ربة الأكاذيب والغطرسة‬
   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104