Page 95 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 95
95 إبداع ومبدعون
قصــة
يومها سألوا المقسم :لو كنت خبي ًرا كما تزعم الملايين ،سيعطي لكل واحد من أولاده مليون جنيه،
لقلت لنا ماذا تلبس يومي الإجازة الجمعة والسبت؟ لا لكي يسكتوا عنه ولا لتحسين صورته في أعينهم
ولكن لأ َّنه هكذا ُخلق ،هو رجل التصدق على محبة
فرد بجدية :الأسود طب ًعا.
فسألوه :لماذا الأسود؟ تمتع بها يو ًما.
ما بقي بعد هبته لأولاده يكفيه لأن يطلب إجازة
فرد ضاح ًكا :أنتم مجموعة من البهائم ،الأسود هو بدون مرتب لعام ،ينفقه في التجوال داخل الوطن ثم
لون الحداد على غياب المتفرجين. يسافر ولو لأسبوعين إلى إيطاليا وإسبانيا ،هو لا
كانت حياة هى أشهر بليدة ،فهى لم ترسب يعرف سببًا منطقيًّا لتعلُّقه بهاتين البلدتين.
قط ،بل كانت تحافظ على تقدير جيد في كل أعوام رغم حمى الأمل والعمل التي تسيطر على
دراستها ،وهى التي لم يظهر عليها أقل اهتمام أو مصطفى إلا أنه لم يفلح في طرد حياة العيسوي
معرفة بعلوم الهندسة. ساب ًقا العيسى حاليًا من خياله.
أحد المعيدين ضاق بها في محاضرة من كانت بنتًا من بنات دفعته ،لم يعرف لها أحد
المحاضرات فقال يو ِّبخها :لو طلب منك رسم مثلث، رأ ًسا من قدمين ،فهى مرة تنتمي لعائلة من محافظة
فستسألين :أين أضع قاعدته ،وأين أضع رأسه؟ الشرقية تربي خيول السباقات العالمية ،ومرة هى
العجيب أن ذلك المعيد على وجه التحديد أصبح كريمة الوكيل الأول السابق لوزارة الصناعة ،ومرة
شديد الاهتمام بها من بعد يوم المثلث ،وهو يوم ثالثة هى كريمة الرحالة جواب الأفاق أحمد خليل.
كثيرون انصرفوا عنها ولكن هناك ثلة حافظت
كان له صداه بين رفاق الدفعة.
في تفسير حصول حياة على تقدير جيد ،بل على الاستماع إليها والتمتع بصحبتها.
في تفسير التحاقها بكلية الهندسة ،بل في تفسير حياة من وجهة نظر مصطفى لم تكن أكثر من
حصولها على الثانوية العامة ،تنوعت الآراء ،بعضهم جاموسة ،جاموسة بيضاء كل ما فيها كبير مثل
قال :سطوة عائلتها سواء كانت عائلة تربية الخيول حال الجاموس ،ولكن هناك تناس ًقا عجيبًا صنعته يد
القدرة الإلهية ،فإن كان نهداها كبيرين فهذا هو حال
أو عائلة وكيل أول وزارة الصناعة. فخذيها ،وإن كانت ذراعاها طويلتين ،فهكذا ساقاها.
آخرون قالوا :جسدها خرافي وهى تمنحه هدية هذا التناسق جعلها تسرف في إظهار تف ُّردها،
فعندما ضربت موجة الحجاب معظم بنات الجامعة،
مع َّطرة للأساتذة والمعيدين. راحت هى تلبس أصغر من مقاسها بثلاثة وأربعة
أصحابها قالوا :هى خارقة الذكاء ،يكفيها شهر أرقام ،لقد كانت أول بنت في جامعة عين شمس
واحد لكي تلم بكل المناهج والذين يشنِّعون عليها تلبس البادي القصير الضيق ،فكانت إذا انحنت
هم حزب أعداء النجاح. أدنى انحناءة ظهر أكثر من نصف ظهرها ،أما
يتذكر مصطفى أنه أثناء بحثه المجنون عن نوال بناطيلها فكانت عجيبة ج ًّدا ،فهى ضيقة ج ًّدا تكشف
التقى بحياة وسألها عن قمره ،فضيقت عينيها كأنها
متى انحنت عن الشريط العلوي للباسها الداخلي،
تحاول تذكر مصطفى ثم قالت وهى تعود للوراء وكان من المعتاد أن يع ِّدد زملاؤها ألوان ألبستها،
خطوتين :آه مصطفى ،سأقول لك الحقيقة :هيئتك
حتى أن أحدهم أقسم مرة أنه خبير بها ،فهى
ليست رومانسية ،شكلك ليس عاطفيًّا ،وستجد تلبس الأحمر في يوم الأحد والأزرق يوم الاثنين
غيرها ترضى بك.
والبنفسجي يوم الثلاثاء.
قامت بإلقاء عبوتها الناسفة على كيانه ثم
أعطته ظهرها ،ه َّم لحظتها بأن يجذبها من شعرها
المصبوغ بعناية فائقة حتى يبدو كأنه أشقر خلقة،