Page 106 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 106

‫العـدد ‪١٩‬‬                                ‫‪106‬‬

                                                                         ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

   ‫عبد الحميد البرنس‬

     ‫(السودان)‬

‫لم أشعر بالألم على وجهي! (*)‬

  ‫الأنخاب‪ ،‬تجالسني مؤانسة‪ ،‬تتحدث بمرح عن أشياء‬            ‫ظلَّ ْت أماندا تلك الأيام تترك الباب وراءها موا َر ًبا‪ .‬لا‬

      ‫صغيرة للح ّب‪ ،‬مثل نم ّو تلك الشعرة الغريبة عند‬     ‫هي تركتني لرحمة القدر فأمتثل لما قسم الله‪ .‬ولا هي‬
         ‫منتصف ُمحيَّاي‪ ،‬قائلة‪« :‬وليم! إنها وحيدة»!‬
                                                                                    ‫استقرت بين أحضاني‪.‬‬
  ‫باختصار‪ ،‬كانت تمنحني ك َّل شيء‪ ،‬كل شيء تقريبًا‪،‬‬           ‫تركتني هكذا‪ ،‬معلَّ ًقا‪ ،‬ما بين السماء والأرض‪ ،‬هناك‪،‬‬
     ‫حتى إمكانية أن أكتشف مفاتيح قوامها المتناسق‪،‬‬
   ‫وكلانا عا ٍر تما ًما‪ ،‬إلا من قطعة سروال داخلي‪ ،‬لك ّن‬     ‫بالضبط في منتصف المسافة‪ ،‬لا عنب الشام طالت‬
      ‫أماندا بون أب ًدا لم تمكنني على مدار تلك اللقاءات‬
                     ‫المتباعدة من رؤية النبع لثانية‪.‬‬       ‫يدي‪ ،‬ولا أصابني قضم من بلح «اليمن السعيد»‪ .‬لقد‬

 ‫كنت أواصل السير‪ ،‬لقرابة العامين‪ ،‬منقس ًما ح َّد الرثاء‬  ‫أوصلتني بدهاء أنثى إلى تلك النقطة التي يصعب معها‬
 ‫على نفسي‪ ،‬متأر ِج ًحا يو ًما بعد يوم على حافة اليأس‬
                                                                                   ‫المضي قد ًما أو التراجع‪.‬‬
   ‫والأمل‪ .‬وقد بدا واض ًحا خلال دروس التعذيب تلك‬                                                 ‫حبيبي‪..‬‬
   ‫أن أماندا بون كانت تؤمن برغم حداثة سنها بحكمة‬
                                                                                   ‫أعترف أنني كنت مذنبة‪.‬‬
      ‫أن الرجال منذ قديم الأزل إذا ما قضوا وطرهم‬
                                                            ‫كنت أعلم‪ ،‬صغيري‪ ،‬بعمق شعورك نحوي لحظة أن‬
    ‫فسيقلعون مبك ًرا صوب مصبّات أخرى‪ ،‬ولا عزاء‪.‬‬          ‫تركتك كل مرة حائ ًرا متسائ ًل‪ .‬أتمنى أن تكون محتف ًظا‬
   ‫في الأثناء‪ ،‬ظلل ُت أطفئ ما اندلع من بركان الشهوة‬       ‫بذات الشعور‪ .‬لا لشيء‪ ،‬سوى أنني ظللت أشعر بقوة‬
   ‫المتأجج داخل قمقمه بعلاقات عابرة‪ .‬ولم يتبق من‬
                                                            ‫كذلك تجاه ما يوحدني بك‪ .‬إنني راغبة أن أكون لك‪،‬‬
‫صبري الكثير‪ .‬ذلك بالضبط ما أرادت أماندا منذ البداية‬       ‫وحدك‪ .‬أجدني في أشد الندم حين أتذ َّكر الطريقة التي‬
 ‫وخ َّططت له ون َّفذت أدق تفاصيله بلهفة وحكمة سفينة‬
                                                           ‫ظللت أعاملك بها آنذاك‪ .‬كل شيء في طريقه‪ ،‬حبيبي‪،‬‬
    ‫تتهادى أخي ًرا بين صخور الشط الطحلبية الملساء‬
                      ‫صوب مرفأها الأح ّب ظافرة‪.‬‬          ‫أن يتغير‪ .‬إنني مهيأة الآن‪ ،‬الآن فقط‪ ،‬لبدء حياتي معك‪.‬‬
                                                          ‫كيف لا! وقد ظلل َت‪ ،‬حبيبي‪ُ ،‬تعلِّمني أشياء لم أكن أعلم‬
 ‫كان لا بد إذن للنهر المنبجس من أعماق حرمان عريق‬          ‫بها‪ .‬أتطلع‪ ،‬صغيري‪ ،‬بكياني كله‪ ،‬لأن أكون زوجة لك‬
 ‫أن يشق طريقه باندفاع المنابع الأولى‪ِ ،‬حيل الالتفاف‬
                                                                             ‫وأ ّما لأطفالك فهل تقبل يا وليم؟‬
‫حول العقبات‪ ،‬مهارة القفز فوق الهضاب‪ ،‬الولع بخلخلة‬          ‫كذلك‪ ،‬كانت تضعني على جمر كانون الرغبة‪ ،‬ورياح‬
  ‫الصخور الصماء‪ ،‬وحكمة الوصول إلى المص ّب بأق ّل‬
                           ‫قدر ممكن من الخسائر‪.‬‬            ‫الشوق إليها تعصف‪ .‬وأنا قطعة اللحم ال ُمتبل‪ ،‬تقلبني‬
                                                                        ‫رو َّي ًة رو َّي ًة بقصص غرامياتها «تلك»‪.‬‬
                                        ‫وقد كان‪.‬‬
                                                         ‫تص ُّب على فراشي عصير ليمون الوعد القريب‪ُ .‬تذيقني‬
 ‫بدأ ُت أهبط في تلك الأيام إلى شارع سيرجنت‪ .‬شارع‬            ‫ُقبلة ومثلها‪ .‬وربما أكثر‪ .‬ثم تبتسم لي بولع الجلاد‬

                                                               ‫الروماني نفسه‪ ،‬قبيل أن تختفي من حياتي‪ ،‬كما‬

                                                         ‫اقتحمتها‪ ،‬فجأة‪ .‬أثناء ذلك‪ ،‬لا تني أماندا بون تشاركني‬
   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111