Page 108 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 108

‫العـدد ‪١٩‬‬   ‫‪108‬‬

                                                      ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

‫حمدي حسين‬

‫غواية المنتفخة‬

    ‫بأقرانه الصغار في مباراة تسبق بدقائق مباراة‬       ‫كان دائ ًما ‪-‬في سنِّه الصغيرة ج ًّدا‪ -‬يقف هناك في‬
    ‫الكبار‪ ..‬كان يقول له‪ :‬ستكون أفضل منَّا جمي ًعا‪،‬‬
     ‫وستصل إلى هناك‪ ..‬فقط عليك أن تنسى الكرة‬             ‫الموعد المحدد عص ًرا‪ ،‬ليتابع المباراة في الساحة‬
   ‫الشراب‪ ،‬وتسارع بالانضمام إلى أي نا ٍد‪ ..‬مكانك‬         ‫الترابية من الحي‪ ،‬حديثة البوار‪ ،‬والتي لم تزحف‬
 ‫ليس هنا‪ ،‬بل هناك‪ .‬كان يتباهى بأن «حمدي عطية»‬
‫لمس شعره‪ ..‬هذه عنده أعظم من أن يكون الأول في‬           ‫إليها بعد معاول البناء! مباراة الكرة الشراب‪ ،‬الكرة‬

                                       ‫مدرسته!‬        ‫الإسفنجية‪ ،‬التي تجمع يوميًّا نخبة من الكبار‪ ..‬شبان‬
‫لم يزل ممتنًا لأبيه الذي احترم في صغيره افتتانه‬                          ‫أقوياء تجاوزوا أعتاب الرجولة‪.‬‬
‫ب ُكرة القدم‪ ،‬فما حظر عليه ‪-‬ككثير من الآباء‪ -‬ارتياد‬
                                                      ‫يتذ َّكر الآن‪ ،‬وهو الذي تفصله عن النجومية خطوة‬
 ‫الساحة‪ ،‬حتى وإن عاد مجرو ًحا‪ ،‬بملابس طينية أو‬
   ‫ممزقة‪ ..‬كان يحول بينه وبين عقاب أمه وضربها‬         ‫في ناديه الكبير‪ ،‬كيف أن واح ًدا من أولئك المهرة لم‬
 ‫المب ّرح‪ ..‬يقول لها‪ :‬الكرة جننوته‪ ،‬وهذا قدرنا‪ ..‬كان‬  ‫يصل إلى ما وصل هو إليه‪ ..‬بقوا نجو ًما صغا ًرا في‬
  ‫يحب كرة القدم‪ ،‬وما فتئ ‪-‬دون أن يفصح‪ -‬يبني‬           ‫عالمهم الترابي الصغير بكرته الإسفنجية الصغيرة‪..‬‬
   ‫ويرعى حلم أن يصبح ابنه الأثير لاعب كرة قدم‪.‬‬
    ‫أيد ما قاله «حمدي عطية»‪ ،‬لكنه قال لصغيره‪:‬‬              ‫حتى نجميه الأثيرين «سعيد شاهين» و«حمدي‬
  ‫ما زلت دون السن التي تلتحق فيها بأحد الأندية‪..‬‬
 ‫توصل إلى حل مؤقت‪ ..‬اشترى له كرة قدم جلدية ‪،‬‬              ‫عطية»‪ ،‬ذاك الثنائي الرائع‪ ،‬لم تسعفهما الموهبة‬
 ‫مقاس ‪ ،4‬تلك التي يلعب بها الناشئون‪ ..‬كان يأخذه‬
  ‫وكرته إلى مقر عمله ليلعب هناك مع أقرانه‪ ..‬ثلاثة‬     ‫لتجاوز الساحة‪ ،‬واختراق الملاعب الخضراء الكبيرة‪،‬‬
    ‫أيام في الأسبوع صي ًفا‪ ،‬وأيام الجمع والعطلات‬           ‫ومداعبة كرتها المنتفخة الكبيرة‪ ..‬ظ َّل النموذج‬

                                                      ‫المحبب إليه‪ ،‬وظل اسماهما محفو ًرا في ذاكرته‪ ،‬وما‬
                                                      ‫برح مطبو ًعا في مخيلته ‪-‬بكامل الصور‪ -‬ذاك الأداء‬

                                                                              ‫المهاري الرفيع لصاحبيه‪.‬‬
                                                       ‫يتذ َّكر الأخير منهما‪ ،‬وقد كان سم ُّيه وشبيهه في‬
                                                        ‫ُسمرته الخفيفة وطريقة الأداء‪ ،‬وهو يداعب شعره‪،‬‬
                                                         ‫ويثني على مهارته‪ ،‬وقد تابعه مرا ًرا وهو يتلاعب‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113