Page 109 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 109

‫‪109‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصــة‬

       ‫شجار فغالبًا للنزاع على مع أي فريق يلعب‪.‬‬                                         ‫خلال الدراسة‪.‬‬
   ‫حين تحركت السنون قلي ًل‪ ..‬حين اشتد عوده‪،‬‬                ‫كان يعمل في أحد الأندية المجتمعية الراقية‪،‬‬
‫وازدهت مهارته‪ ،‬غدا نجم فريق الكرة في المدرسة‪..‬‬            ‫«رئيس ُسفرجية»‪ ..‬فيه من المساحات الخضراء‬
                                                         ‫الشاسعة متسع ليلعب الجميع‪ ..‬كان ذا مكان ٍة بين‬
     ‫تأخذه إلى عالم آخر هتافات الأولاد وصرخات‬         ‫المديرين‪ ،‬وقد ترأس لفترات نقابة العاملين‪ ،‬فانعكس‬
    ‫البنات‪ ،‬وهو ُيبدع الأداء ويرسل الكرة المنتفخة‬          ‫الاحترام على الولد‪ ..‬لم يكن مسمو ًحا لغيره أن‬
    ‫تواليًا إلى مرمى الخصوم‪ ..‬جاء لأبيه غير عضو‬          ‫ُيحضر أبناءه‪ ..‬عرض عليه أن يتعلم السباحة مع‬
    ‫نافذ يعرض ضم الولد لناديه الكبير‪ ..‬تخير منها‬        ‫أحد المدربين فرفض‪ ..‬حثَّه على تعلم التنس ‪-‬لعبة‬
  ‫الذي يشجعه‪ ،‬ورحب الابن‪ ..‬لم يكن في حاجة إلى‬         ‫الناس الراقين‪ -‬فتملَّص مع أول حصة تدريب‪ ..‬كان‬
   ‫تزكية العضو النافذ‪ ..‬اجتاز مع ‪-‬لمستين للكرة‪-‬‬       ‫في النادي جميع الألعاب إلا كرة القدم‪ ..‬وهو لا يريد‬
    ‫الاختبار‪ ..‬عاجلوا أباه بتوقيع أوراق الانضمام‪..‬‬
  ‫لم تكتمل فرحته إلا بذهابه للساحة‪ ،‬حين احتضنه‬                                                  ‫غيرها‪.‬‬
                                                      ‫لم يعرف غيرها‪ ،‬ولا يرى سواها هواية وغاية‪ ..‬لم‬
         ‫«حمدي عطية»‪ُ ،‬مبته ًجا‪ ،‬وأثنى على القرار‪.‬‬     ‫يشارك قط أقرانه في أ ٍّي من لعبات البسطاء التي لا‬
    ‫لم يعد ذاك الابن بين جملة أبناء‪ ..‬صار شيئًا‬        ‫تكلف شيئًا‪ ،‬ويمارسونها في الشارع والحارات‪ ..‬لم‬
‫مختل ًفا في البيت‪ ..‬نظامه الغذائي غير‪ ..‬ملابسه يجب‬     ‫تجذبه من الأساس حتى يشارك‪ ..‬فقط ساحة الكرة‬
  ‫أن تليق بوضعه الجديد‪ ..‬نفقات انتقاله المتزايد لا‬     ‫الشراب هي مقصده‪ ،‬وحكايات مبارياتها هي حديثه‬
  ‫ب َّد أن تزيد‪ ..‬النادي كان يدفع‪ ،‬ولكن ليس الكثير‪..‬‬
 ‫الوعود بالمكافآت الضخمة تنتظره في فرق الكبار‪..‬‬           ‫المفضل مع الأولاد وفي البيت‪ ،‬خاصة مع الأب‬
 ‫ما زال ناشئًا صغي ًرا‪ ..‬لحسن الطالع في دخل الأب‬        ‫الذي ُيحسن الإصغاء‪ ،‬حين يعود مسا ًء من عمله‪..‬‬
   ‫ما يغطي ويفي بمتطلبات الوضع الجديد‪ ،‬والأهم‬
    ‫ما لا يثير شعور الإخوة بالتمييز‪ ..‬كلهم ‪-‬بسبل‬                     ‫كان هذا قبل أن يتغير المسار قلي ًل‪.‬‬
 ‫مختلفة‪ -‬كان يبارك المشروع‪ ..‬أعوام الكرة ليست‬                 ‫كان يتركه وكرته المنتفخة بالساعات في‬
    ‫طويلة ولا شاقة كسنوات الدروس‪ ..‬يبزغ النجم‬           ‫المساحات الخضراء‪ ..‬يتخير من يشاء ليلاعب من‬
  ‫ويزدهر مستقبله ربما قبل أن تطرق أقدامه عتبات‬           ‫أبناء الأعضاء الأثرياء‪ ..‬يستغ ُّل دقائق من انفكاك‬
                                                        ‫ضغط العمل‪ ..‬يذهب‪ ،‬ومن بعيد قليلاً‪ ،‬يرقبه‪ ..‬كان‬
                                        ‫الجامعة‪.‬‬            ‫ينتشي وهو يشهد مهارته‪ ..‬وكان سعي ًدا أكثر‬
      ‫يحتفظ بكرته المنتفخة الأولى‪ ،‬رغم قدمها‪..‬‬              ‫لأن أح ًدا لم يمسك عليه سوء سلوك‪ ..‬ورجال‬
 ‫مكانها دائ ًما ظل بجوار رأسه‪ ..‬تصحبه في أحلامه‬           ‫الأمن الأشداء‪ ،‬الذين يرتعب منهم أولاد الأعضاء‬
    ‫اليومية‪ ..‬لا مكان فيها سوى للكرة وهو يداعبها‬         ‫‪-‬يسمونهم ال ُكنترول‪ -‬كانوا يشيدون دو ًما بأدب‬
‫بمهارته الأ َّخاذة‪ ،‬فيصنع ويسجل الأهداف‪ ..‬لم تخنه‬
‫قط أحلام نومه‪ ،‬واكبت بتراتبية زمنية أحلام وواقع‬                                        ‫الولد وانضباطه‪.‬‬
  ‫يقظته‪ ..‬تألق في فرق الناشئين‪ ،‬وتدرج في فئاتها‬          ‫كان لافتًا‪ ،‬رغم سمرته البادية‪ ،‬وجسده النحيل‬
    ‫العمرية‪ ،‬ولا ينتهي موسم إلا وقد انتزع لفرقته‬         ‫المتقاطع تما ًما مع تلك الوجوه البيضاء المكتنزة‪،‬‬
  ‫بطولة أو وضعها على قمة الصراع‪ ..‬وكان طبيعيًّا‬          ‫والأجساد البضة‪ ،‬أنه لم يكن أب ًدا هد ًفا لأي نظرة‬
‫أن يجد طريقه الممهد إلى تشكيلة الفريق الوطني في‬         ‫احتقار أو أي لفظة إساءة عنصرية‪ ..‬كانت موهبته‬

                         ‫مراحل الناشئة والشباب‪.‬‬              ‫شيئًا كالسحر دمغ الفوارق‪ ،‬وحمل إليه دون‬
    ‫أعوام لم تتعد السبعة صنعت عالمه‪ ،‬المحددة‬              ‫حساسية شارة القيادة‪ ..‬لا يبدأ اللعب إلا به‪ ،‬ولا‬
                                                          ‫يتواصل إلا وفق الشروط التي أعلنها‪ ،‬وإذا حدث‬
   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113   114