Page 107 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 107
107 إبداع ومبدعون
قصــة
تحسب فرجي هذا حفنة من ملح»؟ أقول بعد تفكير العاهرات الشهير في وسط المدينة .أتمعن في وجوه
«حسنًا ،خمسة عشر دولا ًرا ،لا أزيد» .أه ّم بالرحيل. بائعات اللذة على جانبي الشارع .أختار ما يبدو لي بين
كن يقلن أحيا ًنا: أنفاس الخمر الثقيلة أكثرهن نضارة وبع ًدا من ِشراك
تلك الأدواء القاتلة .هناك كشفت نفسي عن مواهب
«إذن خذ ذلك المبلغ يا ابن الكلب وضاجع به من تشاء».
دفينة في مساومة عاهر على ما بين فخذيها بسماحة
بعضهن كن وقحات.
روح ضلت طريقها من عصر الأنقياء .أتفق معها على
هل توجد عاهر في العالم لا نصيب لها من وقاحة؟!
مبلغ .أحيا ًنا ،أبذل الوعد صدقة خالصة بكأس من
مرة ،رأيت واحدة تسير على شارع تورنتو الجانبي الفودكا أو الويسكي .ك َّن يدركن جي ًدا أن ما يحدث أمر
لا علاقة له بالصدقات .فأعمال البر والخير في المدينة
المعتم أسفل أشجار الآش العملاقة .تجاوزتها بينما
تسير على قدم وساق .الكنائس تفتح أبوابها في وجه
تسير الهوينى .كانت ُتدعى سارا .بدا من تلك المشية
برغم ظلال العتمة أنها مبتدئة .تلكأت مدي ًرا مفتاح السائلين .وطعم لقمة العمل أكثر حلاوة .كما أن الكأس
البناية الخارجي في ثقب البوابة .لحظة أن اقترب ْت مني الواحدة قد تجلب كأ ًسا أخرى فيضيع عليهن سوق
كثي ًرا ،قلت «هل ل ِك رغبة في شرب كأس معي؟» ،لا الليلة بأكمله .تنتهي المساومة ،بحمد الله ،ولا ضغائن.
أدري كيف مكث ْت بعدها معي لثلاث ليال.
كانت خلاسيَّة دون العشرين .لم ُيستهلك جسدها نسير في إثرها م ًعا مغ ّذيين الخطى مثل غريبين
الغ ُّض بعد .بدت مع تقدم الشرب والوقت كما لو أنها حقيقيين لم تجمع من قبل بينهما ذكرى صوب أكثر
لن تتوقف عن الكلام .كان شكلها من الغرابة بمكان الأشياء في هذا العالم ألفة وسعة في الدفء وحميمية
داخل جلباب أبيض كنت محتف ًظا به لرغبة ظلَّ ْت تلح
عل َّي بالذهاب لأداء صلاة الجمعة في القاهرة من عا ٍم بل معرفة راسخة وهيا ًما وحبًّا :السرير.
لعام .كنت لا أزال أعيش على إعانة المهاجرين الجدد. لا نكاد على طول الطريق نتبادل كلمة واحدة ..لا
ملاطفة بين َك وبينها ،لا إيماءة غزل ،لا لمسة طفيفة،
ربما لهذا ،لم تأخذ مني في الأخير دولا ًرا واح ًدا. لا فواتح لشهيّ ٍة في طعم البهار قائمة هناك على سكة
قالت إنها فقط تقوم بتدشين نفسها لسبب لم تذكره عابر ،لا كلمة حانية ،لا حتى رغبة أخرى في معرفة
كعاهر .لم أعلق« .إ َّياك والنبش في جحر علاقات العاهر شفرات الغرام السرية للآخر .ذلك أن الأسواق منذ
الماضية» .لدهشتي ،قالت إنها ستحتفظ بالجلباب.
قديم الزمن مناطق خالية تما ًما من عاطفة .السوق
وهي تغادرني ،قالت كلا ًما آخر جرحني «ليس بمثل سوق .وما بين هذا البائع وذاك الشاري «يفتح الله
ذلك السوء النوم مع غريب» .قلت بأسى «هو كذلك ،يا
أو يستر» .هناك دائ ًما أمران لا ثالث لهما :الحاجة
صغيرتي» .صفعتني بعيد باب الشقة ،بغتة .وأخذ ْت والسلعة في ميزان القوة الشرائية أو الربح .حتى
وراءها الباب بعنف .لا ب َّد أن على وجهي شيئًا ما
التحايا لا وجود لها هناك« .أريد ما بين فخذيك ،الآن»،
يغري بصفعة .أخذ ُت أشعر بذلك الضيق الخانق ،فور أقول عادة ،كما لو أنني أتعمد ألا أُظهر شغ ًفا ببضاعة
انصرافها ،ذلك أن موضوعي الخا َّص سبَّب لي الكثير
من الآلام .كنت أنظر إليه بتأفف وهو قابع هناك في كاسدة .تخرج الكلمات ميتة من فمي .وهي لا تتر َّدد
ثانية أخرى .إلا أن لها العين الفاحصة في التمييز بين
انكماشه .ذلك الوغد ،لسبب ما ،شرع في الضحك،
قائ ًل: زبون وآخر .تقول بتثاؤب ولا مبالاة .كما لو أنها تقف
«كن شجا ًعا ،واستأصلني». على جانب سيرجنت في انتظار لا أحد .سوى الفرجة
(*) من سيرة التق ُّدمي :الجزء الثاني. على المارة« .أجل ،يمكنك أن تناله الآن ،ولكن يا هذا كم
تدفع لقاء هذا»؟ أقول ببرود «عشرا» .تشيح بوجهها
مستنكرة .ثم تقرر «لا .أعطيني الضعف ،يا هذا ،أم أنك