Page 124 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 124

‫العـدد ‪١٩‬‬                                         ‫‪124‬‬

                                                      ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

         ‫التصريح بالخطيئة أو الاعتراف بارتكابها‪:‬‬       ‫اعتراض البعض‪ -‬بالكتابة الوجدانية‪ ،‬التي نس ِّميها‬
  ‫«أنا امرأة عادية‪ /‬حين يشاورني الشيطا ُن في‬          ‫بالكتابة من الداخل‪ ،‬وهي نوع من الكتابة المشغولة‬
‫أمر‪ /‬أجل ُس معه دون ترد ٍد‪ /،‬أتح َّدث إليه كرفيق‬
 ‫قديم‪ /،‬مثلي‪ /‬يعاني من لعنة الغربة‪ /‬وغلظة‬             ‫بهاجس الذاتية والمتصلة بسرد تفاصيل الحياة‬
   ‫النبذ‪ /،‬هو الأجد ُر بالنصح؛‪ /‬ج َّر َب ك َّل أنواع‬
‫الخرائ ِّب‪ /‬وقرأ آدم كام ًل‪ /‬قبل أن يحذ َف اللهُ منه‬                                                    ‫اليومية‪.‬‬

                                        ‫ضل ًعا»‪.‬‬      ‫ويتَّضح الملمح الاعترافي في ديوان «قبلات‬
     ‫كما تعترف بإمكانية تكرار الخطأ مرات عديدة‪،‬‬       ‫مستعارة» بداي ًة من التصدير الذاتي الذي يمكن‬
‫وهذا الصوت الاعترافي يعطي تلك التجربة المه َّمشة‬      ‫اعتباره مدخ ًل كاش ًفا للإجراءات التي اعتمدتها‬

        ‫وضع البطولة –بتعبير مونيكا كاوب‪ -‬داخل‬         ‫الذات الشاعرة في تشكيل قولها الشعري‪ ،‬الذي جاء‬
  ‫القصيدة‪ ،‬ومن ثم يسمح بإعادة التفكير في أسس‬
                                                      ‫في صيغة بوحيَّة متَّكئة على التركيب الفعلي في‬
                             ‫المتن الثقافي نفسه‪:‬‬      ‫زمن المضارع‪ ،‬وهو التركيب الذي يتميز بالآنية‬
 ‫«أنا سريعة النسيان‪ /،‬معدة تالفة؛‪ /‬لا تحتفظ‬
  ‫بفتات تفاحة‪ /‬لأبعد من لذة القضمة الأولى‪/.‬‬           ‫المناسبة لخطاب الاعترافات‪ ،‬كما ألمح التصدير‬
  ‫في يدي بوصلة تشير إلى الأمس‪ /،‬على شفتي‬
 ‫تتسلَّل صحرا ُء‪ /‬كأنها تتح َّسس عطشها الأول»‪.‬‬                    ‫للمتلقي بمسارات العمل وصيغ تلقيه‪:‬‬
                                                      ‫«تعجبني هذه الكلمات‪ /‬تأخذ روحي‪ /‬وتتملَّكني‬
     ‫ويعد ضمير المتكلم من الركائز المهمة لخطاب‬
   ‫الاعتراف‪ ،‬باعتباره علامة لغوية تستدعي مفهوم‬        ‫القلب‪/،‬‬     ‫عبلط َّير أيقن ٍةأكماوفنيقامكساي ٍنة‬  ‫بشدة‪ /،‬أنا التي‬
                                                        ‫آخر»‪.‬‬                                           ‫متسلِّطة‪ /‬وميتة‬
     ‫الشخص بمعنييه النحوي والواقعي‪ ،‬ليستخدم‬
         ‫السرد الاعترافي الطرائق نفسها التي تميِّز‬    ‫ثم يطالعنا الجهاز العنواني للنص الأول «جلسات‬

      ‫السرد السير ‪ -‬ذاتي مع تعرية للذات وكشف‬          ‫قديمة تصلح للمنفى»‪ ،‬الذي يع ِّزز تلك السمة عبر‬
  ‫للغير؛ فتحيلنا الذات الشاعرة إلى حادثة بعيدة لم‬     ‫تقدير المحذوفات‪ ،‬وكأن عنوان النص الافتتاحي‬
   ‫تعاصرها لكنها ش َّكلت شخصية الأم كما تعرفها‬
                                                      ‫يشير إلى أن القول الشعري التالي هو مجموعة من‬
                                           ‫الآن‪:‬‬
    ‫« ُولد ُت في السابع عش َر من مارس‪ /،‬سقط ُت‬        ‫الجلسات «الاعترافية» التي جاءت مت ِّممة لهذا النص‪.‬‬
   ‫من رحم السماء‪ /‬في حجر أمي‪ /،‬ولم تمنحها‬              ‫ويتميز السرد الاعترافي باندفاعه نحو الكشف عن‬
‫المفاجأ ُة فضيلة التساهل مع الفقد؛‪ /‬لفتني جي ًدا‬
 ‫بملاب َس أخ ٍت لي‪ /،‬ماتت‪ /‬ولم يجف القط ُن من‬         ‫مثالب الشخصية –بتعبير صابر عبيد‪ -‬وأخطائها‬

                                      ‫دموعها‪».‬‬        ‫وخطاياها وسلبياتها بأسلوب صريح‪ ،‬دون وضع‬
 ‫ويعد «الجسد» والكشف عن رغباته من موضوعات‬
‫الكتابة النسائية‪ ،‬والوعي بمتطلباته يعني بالضرورة‬      ‫اعتبار للمواضعات الاجتماعية والقيم الأخلاقية التي‬

     ‫وعيًا بالذات واعترا ًفا بها‪ ،‬وعمدت الشاعرة إلى‬   ‫يمكن أن تخل بها أو تجرحها‪ ،‬ف ُتبعد الذات الشاعرة‬
‫تشكيل خطاب اعترافي يكشف عن رغباتها الجسدية‬
                                                      ‫منذ البداية في القصيدة عن نفسها سمات المثالية‬
     ‫مقارنة برغبات الآخر التي تختلف عن رغباتها‪:‬‬
  ‫«رغبت َك‪ /،‬ليست أكثر من أن «تب ُشر» جسدي‪/‬‬                       ‫والجمال والتمرد وتعترف بعاديتها‪:‬‬
‫كحبات ال ُّسكر‪ /‬خلال نظرة واحدة‪ /.‬ورغبتي‪/،‬‬             ‫«لا أعر ُف الطري َق إلى السماء‪ /،‬لس ُت وردة‪/‬‬
                                                      ‫تنتظر أن تتفت َح فوق قبر َك‪ /،‬ولا نجمة برية‪/‬‬
    ‫ليست أقل من أن تق َف‪ /‬بعصا َك‪ /‬كمايسترو‬           ‫خارجة من خرائط الأبراج‪ /‬تمارس التمر َد على‬
   ‫فرقة موسيقية؛‪ /‬تصنع من جسدي الوردي‪/‬‬                ‫القدر‪ /،‬لس ُت الي َد التي جعلتها‪ /‬الحجار ُة تميل‬
                                                      ‫للأعلى‪ /‬وتقطف من نيوتن‪ /‬جاذبية المنفى»‪.‬‬
                                  ‫غزل البنات»‪.‬‬
                                                      ‫كما تعترف بالخطئية الأولى الملا ِزمة للمرأة وفق‬

                                                      ‫المح ِّددات الدينية والأعراف المجتمعية‪ ،‬التي بسببها‬
                                                      ‫تم تهميش المرأة والتقليل منها‪ ،‬والاعتراف هنا يعد‬
                                                      ‫نو ًعا من التح ِّدي لطرق تم ُّثل المرأة َوفق النسق‬
                                                      ‫الثقافي ومحدداته الاجتماعية الثابتة‪ ،‬ومرتكزاته‬

                                                      ‫التي يصوغها في صورة أعراف وقوانين؛ فعمدت‬

                                                      ‫الشاعرة على عكس قواعد اللعبة النفسية عبر‬
   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128   129