Page 125 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 125

‫نون النسوة ‪1 2 5‬‬

‫ناحية‪ ،‬والمناسب لدور الراوي كلي العلم الذي تلعبه‬

               ‫الذات الشاعرة من ناحية أخرى‪:‬‬

‫«يو ًما ما سيجل ُس ظلك‪ /‬في المقعد المجاور‪/‬‬
‫وعب ًثا تحاولان سرد قصتك كاملة؛‪ /‬سيحشو‬

‫معطفك بالضوء‪ /‬وأنت تبكين ذاكرتك‪ /‬التي‬
 ‫يأكلها الليل‪ /..‬لس ِت واهنة الآن؛‪ /‬أن ِت فقط‬
‫أن يخمش رم ُق‬
    ‫راحة يدك‪/‬‬  ‫اتلسشتميقسظي‪/‬نعينصيبا ِك‪ً ،‬حا‪//‬تتوتصفخحشيينن‬

‫وتقولين‪ :‬لا بأس‪ /،‬هذا اليوم أيضا سيمضي»‪.‬‬

‫حيلة أخرى تلجأ إليها الذات الشاعرة لتتبع ذاتها‬

‫والآخرين هي توظيف «الحلم» بوصفه تقنية‬

‫مساعدة تتَّكئ إليها باعتبارها وسيلة كشف عن‬

‫أبعاد جديدة ما كانت لتعرفها في وعيها فتتضح له‬

‫عن طريق اللاوعي‪ ،‬أو وسيلة للتحرر وعتبة تحقق‬

‫عبرها ما لا تستطيع تحقيقه في يقظتها‪ ،‬وتستشرف‬

‫بها بعض آفاق المجهول الذي تتمنى حدوثه‪:‬‬

‫«تعرف ُت على الوقت‪ /‬من ملاطفة صدأ المعادن‬
‫بلساني‪ /،‬وتعرف ُت على الشر‪ /‬من الهدايا‬
‫العالقة في شراك التبادل التجاري‪ /،‬تعرف ُت‬
‫على الخير‪ /‬من الروائح الفرنسية الثمينة في‬

‫فراء النباتيين‪ /‬والأحذية الأنيقة للعدائين‪ /‬في‬

‫مارثون إنقاذ مئة قرية تحت السيل‪ /،‬وعرفت‬
 ‫المرض‪ /‬من َخ َد ْي ِّه الباردين بين يدي‪ /‬وأنا‬
‫أداع ُبه‪« :‬كم أنت وديع ومتواضع يا عزيزي‪/‬‬
‫لتقتني حنجرة هذه الطفلة الواهنة»‪.‬‬

‫لم تتو َّقف حدود الاعتراف عند هموم الذات الشاعرة‬                ‫وكما سبق القول فالأنا في كثير من الأحيان قد‬
                                                             ‫تكون نصية تخييلية لا تتطابق بالضرورة مع الأنا‬
‫الشخصية‪ ،‬فنج ُدها تعمل على الكشف عن المسكوت‬                   ‫خارج النص‪ ،‬ويمكن اعتبارها في هذه الحالة الأنا‬
 ‫عنه على المستويين السياسي والمجتمعي في عد ٍد‬                ‫التي ترغب الذات الشاعرة في أن تكونها‪ ،‬واعتراف‬

‫من القصائد‪ ،‬ففي أغلب الأحيان تأتي تلك الأنماط‬                       ‫ضمني بالتجارب التي تتمنَّى أن تخوضها‪:‬‬
                                                              ‫«بالأمس‪ /‬الته َمت النشو ُة ِش َعا َب جسدي؛‪ /‬لم‬
‫الكتابية ‪-‬سواء كانت اعترافات أو شهادات أو سير‬                ‫أعد تلك الأيقونة‪ /‬التي تتسربل في ملامحها‪/.‬‬

‫ذاتية‪ -‬لتتح َّدى التقاليد الكتابية والمذاهب الرسمية‬                       ‫كلما أدرك ْتك الرغب ُة في الاعتراف»‪.‬‬
‫وتعمد إلى إعادة كتابة النظام الاجتماعي من أجل‬                      ‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬واعتما ًدا على مبدأ الدهاء‬
                                                              ‫الشعري‪ ،‬تحاول الذات الابتعاد عن أناها الخاصة‬
‫تضمين رؤية للإمكانيات العلاقاتية الجديدة عبر‬                 ‫وتشرع في تخفيف وطأة الاعتراف عنها عن طريق‬
                                                               ‫توظيف تقنيات مثل الظل أو القرين‪ ،‬وهي التقنية‬
‫تشكيل ذاتها وبيان علاقتها بهذا النظام ودورها‬                   ‫التي تستدعي ضمير المخاطب باعتباره الضمير‬
                                                                  ‫الأنسب لحالة الانقسام الذاتي أو التش ِّظي من‬
‫الفاعل فيه‪ .‬وبالرغم من أن الملمح الأساسي للديوان‬
‫هو خطاب الاعتراف؛ فإن الجانب التقني الممثَّل في‬

‫الدهاء الشعري ‪-‬بتعبير تومسون‪ -‬قد جاء متواز ًنا‬

 ‫مع الانفعال بالذات وقام بتأطيرها وعبَّر عنها‬
‫بصورة ألمحت بالتطابق دون تأكيده أو إنكاره‬
   120   121   122   123   124   125   126   127   128   129   130