Page 157 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 157

‫حول العالم ‪1 5 7‬‬

 ‫في أربعينيات القرن التاسع‬           ‫في الولايات المتحدة‪ ،‬هي‬        ‫الصين اليوم اضطرت لأن‬
     ‫عشر‪ ،‬حيث مات ملايين‬              ‫المسئولة عن انتشار هذا‬         ‫تضحي بالحريات المدنية‬
   ‫الأشخاص وأُجبر آخرون‬               ‫الوباء في نهاية المطاف‪.‬‬       ‫في مقاطعة هوبي من أجل‬
      ‫على الهجرة‪ .‬وقد ظلت‬          ‫هذه الرسالة المحورية التي‬          ‫إنقاذ العالم؟ إلى حد ما‪،‬‬
                                  ‫تريد القناة توصيلها منتشرة‬      ‫فإن الأمرين صحيحان‪ .‬وما‬
   ‫الدولة البريطانية متمسكة‬        ‫كشائعات أخرى كثيرة‪ ،‬لكن‬        ‫يجعل الأمور أكثر سو ًءا مما‬
‫بآليات السوق‪ ،‬حيث واصلت‬               ‫من الجنون أن نصدق ما‬          ‫كانت عليه هو أنه لا توجد‬
                                     ‫تقوله على أنه يمثل حقيقة‬    ‫طريقة سهلة وواضحة لتمييز‬
      ‫أيرلندا سياسة تصدير‬            ‫الواقع‪ ،‬ولكن مع ذلك‪ ،‬فما‬     ‫حرية التعبير «الصحية» عن‬
   ‫المواد الغذائية بينما كانت‬      ‫يدريك لعلها تكون صادقة؟!‬        ‫مجرد الشائعات «الضارة»‪.‬‬
  ‫أعداد كبيرة من الشعب في‬           ‫الغريب في الأمر أن تغييب‬     ‫فعندما تشكو الأصوات وتعلو‬
‫وضع يؤسف له من المعاناة‬               ‫الحقيقة لا يبطل فعاليتها‬       ‫الانتقادات من أن سلطات‬
   ‫الشديدة‪ .‬ونحن بدورنا لا‬             ‫الرمزية‪ .‬وبالإضافة إلى‬        ‫الدولة الصينية ستتعامل‬
 ‫نريد ح ًّل وحشيًّا كهذا‪ ،‬فهذا‬    ‫ذلك‪ ،‬يجب أن نكف أي ًضا عن‬       ‫مع «الحقيقة» دائ ًما على أنها‬
‫لم َي ْعد مقبو ًل في عالم اليوم‪.‬‬      ‫الزعم الذي يقول إن عدم‬         ‫«شائعة»‪ ،‬ينبغي علينا أن‬
    ‫من ناحية أخرى يمكن‬             ‫قول الحقيقة كاملة للجمهور‬        ‫نضيف أن وسائل الإعلام‬
‫للمرء أن ينظر إلى هذا الوباء‬          ‫يمكن‪ ،‬في بعض الأحيان‪،‬‬          ‫الرسمية والمجال الواسع‬
   ‫على أنه نسخة مقلوبة مما‬          ‫أن يمنع بشكل فعال موجة‬          ‫للمعلومات الرقمية مليئون‬
                                      ‫الذعر الحالية‪ ،‬بذريعة أنه‬
     ‫جاء في «حرب العوالم»‬         ‫يمكن أن يؤدي إلى المزيد من‬               ‫بالفعل بالشائعات‪.‬‬
  ‫للكاتب الإنجليزي «هربرت‬         ‫الضحايا‪ .‬وعلى هذا المستوى‬         ‫لقد قدمت القناة الأولى‬
‫جورج ويلز» (‪ .)1897‬تحكي‬           ‫الذي نعيش فيه‪ ،‬لا يمكن حل‬        ‫‪-‬إحدى القنوات التلفزيونية‬
 ‫هذه الرواية غزو المريخيين‬            ‫المشكلة نهائيًّا‪ ،‬والمخرج‬   ‫الوطنية الروسية الرئيسية‪-‬‬
   ‫للأرض وسيطرتهم عليها‪،‬‬          ‫الوحيد هو الثقة المتبادلة بين‬      ‫مثا ًل حيًّا على ذلك‪ ،‬حيث‬
                                  ‫الشعب وأجهزة الدولة‪ ،‬وهذا‬           ‫خصصت‪ ،‬في برنامجها‬
     ‫وبعد ذلك موتهم بسبب‬            ‫ما تفتقر إليه الصين بشدة‪.‬‬
        ‫ميكروبات أرضية لم‬          ‫ومع انتشار وباء فيروس‬                   ‫الإخباري المسائي‬
                                       ‫كورونا في جميع أنحاء‬        ‫الرئيسي «فرميا» ‪Vremya‬‬
    ‫يكونوا محصنين ضدها‪:‬‬            ‫العالم‪ ،‬نجد أن آليات السوق‬     ‫(«الوقت»)‪ -‬خصصت القناة‬
    ‫«لقد ُقتلوا جمي ًعا‪ ،‬بعد أن‬       ‫لن تكون قادرة على منع‬         ‫بشكل منتظم فقر ًة تتحدث‬
 ‫فشلت جميع الاستراتيجيات‬            ‫الفوضى والجوع‪ .‬وبالتالي‬        ‫عن نظريات المؤامرة بشأن‬
   ‫والحيل البشرية‪ ،‬بواسطة‬          ‫نحتاج إلى تدابير وإجراءات‬       ‫انتشار فيروس كورونا‪ .‬إن‬
  ‫أكثر الأشياء تواض ًعا‪ ،‬التي‬      ‫تبدو لمعظمنا اليوم على أنها‬       ‫أسلوب إعداد التقارير في‬
 ‫أودعها الله بحكمته على هذه‬           ‫«شيوعية» على المستوى‬         ‫البرنامج كان غام ًضا؛ حيث‬
‫الأرض»‪ .‬من المثير للاهتمام‬            ‫العالمي؛ كأن يتم تنسيق‬       ‫يبدو في الظاهر أنه يفضح‬
   ‫أن نلاحظ ‪-‬بحسب رواية‬            ‫الإنتاج وتنظيمه خارج إطار‬     ‫هذه النظريات بينما يترك في‬
    ‫ويلز‪ -‬أن فكرة المؤامرة‬         ‫إحداثيات السوق‪ .‬ويجب أن‬       ‫الوقت نفسه لدى المشاهدين‬
‫نشأت بعد مناقشة مع شقيقه‬            ‫نتذكر هنا مجاعة البطاطس‬
   ‫فرانك حول الأثر الكارثي‬        ‫الأيرلندية التي دمرت أيرلندا‬        ‫انطبا ًعا بأنه يقدم جوهر‬
                                                                  ‫الحقيقة‪ .‬إن رسالة البرنامج‬
     ‫للبريطانيين على سكان‬                                         ‫الأساسية مفاداها أن النخب‬
 ‫تسمانيا الأصليين‪ ،‬وتساءل‬
                                                                    ‫الغربية الظلامية‪ ،‬وخاصة‬
     ‫عما كان سيحدث إذا ما‬
   ‫فعل المريخيون ببريطانيا‬
   ‫نفس ما فعله البريطانيون‬
   152   153   154   155   156   157   158   159   160   161   162