Page 217 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 217

‫كان «أحمد زكي» صوف ًّيا من طراز‬                                     ‫النهاية وقد كبر ابنه من‬
    ‫نادر يسعي كال َفراش نحو نار‬                                   ‫زوجته الأخرى هناء‪ ،‬التي‬
   ‫الحقيقة‪ ،‬نار التجِّلي‪ ،‬والحقيقة‬
   ‫لا تمنح نفسها سوى لمتص ِّوف‬                                      ‫أعطاها له المعلم هدهد‪،‬‬
                                                               ‫وبينما هي ساكنة في حضنه‪،‬‬
‫يقدر على مواجتهها ثم إعطائها‬
  ‫لنا سهلة نقرؤها أو نشاهدها‪،‬‬                                      ‫يعلق يحيى بنبرة محايدة‬
    ‫ويظل فعل المواجهة نفسه‬                                      ‫بعد كل ما مر به‪« :‬عادت لي‬
        ‫بعي ًدا عن الإنسان العادي‬                              ‫فريدة كما لم أعرفها من قبل‪،‬‬
                                                                 ‫وبقي الحذر والخوف رفيق‬
 ‫منها الدم الغزير وقد يتشوه‬         ‫الوهم للهروب من بشاعة‬        ‫دائم‪ ،‬وبقيت ذكرياتي وظل‬
‫الوجه الحقيقي‪ ،‬أصبح الواحد‬       ‫اختياراته في الحياة؟ وهكذا‬
                                 ‫تثير الأعمال الفنية الحقيقية‬      ‫حنيني‪ ..‬لأرض الخوف»‪.‬‬
    ‫منا كلما أتاحت له الحياة‬                                      ‫في أثناء بحث داود عن‬
     ‫هدنة قصيرة يعود فيها‬          ‫جد ًل متواص ًل يثير العقل‬    ‫الحقيقة أ ًيا كان الدرب الذي‬
‫لنفسه قلي ًل بعي ًدا عن الصراع‬    ‫ويحرك الأفكار‪ ،‬بل يحركها‬        ‫سلكه‪ ،‬قدم أحمد زكي في‬
   ‫والضجيج ال ُمصم للآذان‪،‬‬        ‫المشاهد تجاه نفسه‪ ،‬ويبدأ‬
 ‫يشعر كأنه شخص معلق في‬            ‫في الغوص والتساؤل حول‬             ‫صورة جديدة‪ ،‬ربما هي‬
  ‫الفراغ‪ ،‬لا أرض تسنده ولا‬       ‫حياته الشخصية‪ ،‬كلنا كبشر‬            ‫الأبرز علي الإطلاق في‬
  ‫سماء تظله! ويبقى السؤال‪:‬‬        ‫كانت لنا أهداف وطموحات‬            ‫مسيرته الفنية‪ ،‬داود في‬
  ‫هل يمكن للإنسان استنقاذ‬                                          ‫كل أفلامه سمة روحانية‬
     ‫نفسه من فوضى الواقع‬            ‫أسمى كنا نتأجج بها في‬            ‫شاعرية‪ ،‬تحتاج لممثل‬
    ‫حوله؟ لم يدل يحيى على‬            ‫بداية حياتنا‪ ،‬ومع تقادم‬        ‫شاعر متم ِّكن من أدواته‬
‫الطريق سوى الوثيقة المخبأة‬        ‫العهد عليها وسرقة الأحلام‬    ‫الفنية لأقصى درجة‪ ،‬ليجسد‬
   ‫في أحد البنوك‪ ،‬التي تبرئه‬    ‫بفعل واقع مز ٍر ‪-‬ربما لم يكن‬       ‫شخصية سيختلف عليها‬
‫من كل ما ارتكب وتحفظ عليه‬         ‫لنا فرصة اختياره كيحيى‪-‬‬         ‫النقاد والمشاهدون‪ ،‬بينما‬
   ‫أمواله التي اكتسبها خلال‬      ‫نبدأ بالتدريج بالانسلاخ عما‬      ‫الفيلم واضح كل الوضوح‬
 ‫تجارته في المخدرات‪ ،‬أي أن‬         ‫كان يعيش تحت جلدنا من‬          ‫والدراما أمام العين لا منذ‬
  ‫عوامل العالم الخارجي هي‬          ‫قبل‪ ،‬وأصبحنا كأننا أناس‬          ‫اللحظة الأولى لا تختبئ‬
‫سبيل الهدى للكائن البشري‪،‬‬       ‫غير الذين كنا‪ ،‬ابتدأت الأقنعة‬   ‫خلف ألغاز‪ ،‬لكن السؤال هل‬
  ‫أما الظلام القابع داخله فلا‬      ‫الزائفة تحل محل وجوهنا‬        ‫هو مجرد ضابط شرطة أم‬
    ‫يمكن طرده دون نور من‬           ‫الحقيقية‪ ،‬وبمرور السنين‬        ‫هو رمز للإنسان وحيرته‬
 ‫مؤثر خارجي‪ ،‬الصراع ليس‬         ‫التصق القناع بالوجه فأصبح‬           ‫الوجودية في البحث عن‬
  ‫بين شخصيات فحسب‪ ،‬بل‬             ‫الفصل بينهما يتطلب عملية‬      ‫الخلاص من خطيئته الأولى‬
                                ‫مرهقة مؤلمة‪ ،‬لا بد أن ينزف‬     ‫الواردة في النصوص الدينية‪،‬‬
                                                                   ‫وقد عبر عنها داود بأكل‬
                                                                   ‫يحيى للتفاحة أثناء تلقيه‬
                                                                   ‫العرض من رئيسه‪ ،‬ومع‬
                                                                ‫وجود أسماء كيحيى وهدهد‬
                                                               ‫وموسى ويونس وآدم وكلها‬
                                                                     ‫ذات دلالات في الأديان‬
                                                               ‫الإبراهيمية‪ ،‬هل ذلك الشخص‬
                                                                   ‫واهم أم يجبر نفسه على‬
   212   213   214   215   216   217   218   219   220   221   222