Page 218 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 218

‫أثير وجه التشابه بين‬         ‫حولنا‪ ،‬فدفع ثمنًا باه ًظا من‬         ‫‪218‬‬
‫أحمد زكي والفنان الأمريكي‬         ‫أعصابه وصحته النفسية‪،‬‬
  ‫آل باتشينو في القدرة على‬       ‫يريد أن يجسد جميع الناس‬          ‫بين المعاني المتضادة من‬
                                   ‫ويحيا حياتهم‪ ،‬مقابل هذا‬       ‫خير وشر‪ ،‬جريمة وشرف‪،‬‬
  ‫نقل الأحاسيس الإنسانية‪،‬‬                                       ‫الثنائيات كانت حاضرة على‬
 ‫بالفعل جاء التشبيه منطقيًّا‪،‬‬         ‫الحب للناس والشعور‬       ‫الدوام وهي غير متوافقة‪ ،‬كل‬
  ‫كلاهما تنطق عيناه كلسانه‬       ‫الصادق بهم‪ ،‬أحبوه بالمثل‬        ‫منها لا وجود له مع الآخر‪.‬‬
                                                                  ‫إننا نلجأ للأفلام الجيدة‬
       ‫وجسده‪ ،‬منهما أطللنا‬           ‫وجعلوه إمبراطو ًرا لفن‬    ‫طالبين الانفعال الصادق‪ ،‬ولا‬
    ‫على عوالم نفسية مع َّقدة‬   ‫التمثيل‪ ،‬كلمة ‪ Film‬الإنجليزية‬     ‫يوجد في السينما المصرية‬
 ‫وصراعات داخلية تموج في‬
‫النفس‪ ،‬حتى آل باتشينو في‬        ‫من معانيها «الغشاء الرقيق»‬           ‫من منح مواطنيه الذين‬
‫ملابسات ظهوره بفيلم الأب‬           ‫والقلب أي ًضا غشاء رقيق‬        ‫يشبههم ويشبهونه انفعا ًل‬
  ‫الروحي وعدم رضا معظم‬                ‫مبطن بالأحاسيس‪ ،‬لا‬         ‫أصدق من أحمد زكي‪ ،‬حين‬
    ‫فريق العمل عنه‪ ،‬مقاربة‬          ‫يكتب لممثل الخلود على‬         ‫يصرخ بألم أو يضحك في‬
‫لبداية أحمد زكي في معاناته‬        ‫شريط الفيلم وداخل قلوب‬          ‫سعادة‪ ،‬أو ينظر في حزن‪،‬‬
 ‫مع رفض المنتجين وبعض‬             ‫المشاهدين بغير حساسية‬          ‫أو يتضرع طلبًا للرحمة‪ ،‬أو‬
   ‫الممثلين من قبوله بشكل‬         ‫غير عادية تتماهى مع ذلك‬        ‫يحدق في قوة‪ ،‬حتى عندما‬
  ‫كامل لابتعاده عن الصورة‬                                       ‫يغني بصوته الخشن يجذب‬
    ‫التقليدية للنجم‪ ،‬لكن كل‬      ‫الغشاء الرقيق المعبأ بشيء‬        ‫أسماعنا راضين متطلعين‬
   ‫الظروف الجانبية تبخرت‬          ‫يشبه ما يجول في القلوب‬
 ‫ولم يبق سوى تجارب فنية‬        ‫من معاني وصور‪ ،‬وحده ذلك‬              ‫للمزيد‪ ،‬أحمد زكي فنان‬
 ‫عظيمة‪ ،‬طب ًعا آل باتشينو لا‬    ‫الممثل القادر على أن يصبح‬           ‫متصوف يفنى في عمله‬
‫يحتاج شهادة أحد لكن أحمد‬       ‫اسمه مراد ًفا للمعاني العظيمة‬        ‫وشخصياته التي أبدعها‬
‫زكي بتكوينه النفسي ورغبته‬      ‫التي ربما لم يتح لنا تجربتها‬       ‫طوال تاريخه الفني‪ ،‬يتأثر‬
                               ‫في الواقع‪ ،‬لكننا جربناها معه‬       ‫بها ويعايشها إلى حد غير‬
                                                                     ‫معقول‪ ،‬يخلط به الوهم‬
                                       ‫على شاشة السينما‪.‬‬          ‫بالحقيقة‪ ،‬جهازه العصبي‬
                                                                 ‫حساس طوال الوقت يجعله‬
                                                                 ‫يتقمص الأدوار فتنبض فيه‬
                                                               ‫حية‪ ،‬فعرف بشخصياته التي‬
                                                                  ‫نذكر أسماءها أحيا ًنا دون‬
                                                                 ‫الإشارة لأحمد زكي نفسه‪،‬‬
                                                                ‫وصوفيته منبعها إيمانه بفن‬
                                                                 ‫التمثيل أو التشخيص‪ ،‬وهو‬
                                                               ‫المصطلح الأكثر دقة بالنسبة‬
                                                                    ‫لأعماله‪ ،‬كإطار مصطنع‬
                                                                 ‫لكشف حقائق الناس الذين‬
                                                               ‫راقبهم جي ًدا ودرس حركاتهم‬

                                                                      ‫ثم أعاد تشكيلهم أمام‬
                                                                   ‫الكاميرا‪ ،‬فصب في أعيننا‬
                                                                   ‫وآذننا متعة فنية‪ ،‬وجعلنا‬
                                                               ‫نشعر بأنفسنا وبالآخرين من‬
   213   214   215   216   217   218   219   220   221   222   223