Page 85 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 85

‫‪85‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

   ‫ثم تتح َّول ابتسامة مصطفى إلى ضحكة مريرة‬             ‫الوظيفي والهدوء والوقت الذي يجعله يواصل رحلة‬
       ‫عندما يتذكر أن البرديسي هو مختار إبراهيم‬                                     ‫تعلمه لفنون العمارة‪.‬‬

‫البرديسي المقاول الشهير الذي تربطه بماري علاقة‬         ‫رهان عجيب يليق وشخصيته العجيبة‪ ،‬سرعان ما‬
 ‫جعلتها ترفض كل خاطب حتى أصبح عمرها نصف‬                                            ‫نسفته حقائق الواقع‪.‬‬

                                           ‫قرن!‬        ‫دخل مصطفى إلى مكتبه في الحي الشهير بفساده‬
   ‫الباشا أصبح اللقب الرسمي لحاتم الذي يسبق‬             ‫متسلِّ ًحا بتاريخ أبيه الوظيفي‪ ،‬فمن خلال أبيه عرف‬
  ‫مصطفى بدفعة واحدة‪ ،‬كان يوم ظهور حاتم باشا‬            ‫مصطفى أن الفساد والعمل الرسمي توأم ملتصق لا‬
  ‫في المكتب هو يوم العيد لكبار وصغار الموظفين‪،‬‬
    ‫ففي حقيبته يوجد حل لكل المشكلات‪ ،‬عقد عمل‬                                  ‫حياة لأحدهما بدون الآخر‪.‬‬
  ‫داخلي أو خارجي‪ ،‬قرض حسن‪ ،‬فرصة سفر ولو‬                 ‫إدارة التراخيص كانت أفسد إدارات الحي‪ُ ،‬يحكم‬
  ‫للتنزه‪ ،‬تأشيرة عمرة أو حج‪ ،‬أين يعمل حاتم نادر‬
                                                           ‫مصطفى اللوائح والقوانين في كل ورقة تعرض‬
                              ‫الوجود في المكتب؟‬             ‫عليه‪ ،‬فيرفض أو يقبل بنا ًء على ما قاله المشرع‬
    ‫لا أحد يعلم على وجه القطع واليقين‪ ،‬يقولون‪:‬‬           ‫الحكيم‪ ،‬ثم يفاجأ بأن ما قبله أصبح مرفو ًضا‪ ،‬وما‬
 ‫يعمل مع الخلايجة في مصر أو خارجها‪ ،‬ويقولون‪:‬‬
                                                                                   ‫رفضه أصبح مقبو ًل!‬
      ‫يعمل مع جهة غامضة قادرة على جعل التراب‬               ‫كان يهمس لرئيسه المباشر‪ :‬كيف هذا سيدي‬
   ‫ذهبًا‪ ،‬ويقولون‪ :‬هو لا يعمل‪ ،‬مكتفيًا بقيامه بإنهاء‬
‫المع َّقد من الإجراءات لناس لا يجدون وقتًا ولا طاق ًة‬                                          ‫الرئيس؟‬
 ‫للسعي خلف أوراق تتوه عن عمد في دهاليز إدارات‬          ‫فيرد رئيسه‪ :‬لك ٍّل عمله‪ ،‬أنت قمت بعملك ورفضت‪،‬‬

                                       ‫الحكومة‪.‬‬           ‫وغيرك قام بعمله ووافق‪ ،‬إذن ليس هناك مق ِّصر‪.‬‬
  ‫ك ُّل تلك التط ُّورات حدثت في أول خمس سنوات‬           ‫كان مصطفى في تلك الأيام البعيدة يقول لنفسه‪:‬‬
    ‫من تاريخ عمل مصطفى وتلك التطورات رصدها‬             ‫نعم ليس هناك مقصر‪ ،‬هنا جريمة تخريب تح ُدث عن‬
 ‫بدقة وحفرها على جدران ذاكرته لكى لا تضيع منه‬          ‫عمد وعن قصد وعن نية مبيتة‪ ،‬اللائحة واحدة‪ ،‬وكذا‬
                                                         ‫القانون فلماذا يحضران مع هذا ويغيبان عن ذاك؟‬
                              ‫بفعل مرور الزمان‪.‬‬
 ‫بعد سنوات الرصد تلك‪ ،‬كف عن رصد أي شيء‪،‬‬                    ‫الجريمة تبدو آثارها واضحة على هيئة ونفوذ‬
 ‫فلم يعد هناك جديد‪ ،‬لقد أصبحت تضاريس خريطة‬               ‫وثروات زملاء العمل‪ ،‬المهندسة سناء أصبح لقبها‬
                                                       ‫هو الحاجة‪ ،‬تعتمر أكثر من مرة كل عام‪ ،‬وتحج مرة‬
     ‫المكان بقممه وسفوحه وتعقد طرقاته وغموض‬
         ‫أوديته أوضح من أن يعتني بها واحد مثله‪.‬‬                  ‫كل عامين وتقرض الناس بالربا الفاحش‪.‬‬
                                                        ‫أما ماري جرجس فأصبح لا يشار إليها إلا بلقب‬
‫كانت المعادلة بسيطة ج ًّدا ولكنها في غاية الحسم‪،‬‬
  ‫كن فا ًسدا تربح متع الدنيا‪ ،‬كن شري ًفا وعش حيا ًة‬       ‫الهانم‪ .‬كانت ماري جارته في حي الوايلي‪ ،‬ولدت‬
                                   ‫تبدو كالحياة‪.‬‬        ‫هى في شقة من شققه وولد هو في بيت من بيوته‪.‬‬

                        ‫>>>‬                                    ‫ذهبت ماري إلى المعادي‪ ،‬واقتنت سيارة‬
                                                       ‫مرسيدس‪ ،‬أما عن ملابسها وحليِّها فح ِّدث ولا حرج‪.‬‬
‫عاش مصطفى مع المرأة التي ستكرهه سنوات‬                   ‫كان مصطفى يبتسم عندما يسمع أحدهم يتحدث‬
  ‫زواجهما الأولى في هدوء يغلفه الرضا‪ ،‬لم يكن‬
                   ‫مصطفى يطلب أكثر من هذا‪.‬‬                            ‫عن ماري بوصفها ماري البرديسي!‬
                                                          ‫أي برديسي! إنها ماري جرجس إسحاق رفيقة‬

                                                               ‫طفولته وشبابه وزميلة دفعته‪ ،‬فمن أين جاء‬
                                                                                         ‫البرديسي هذا؟‬
   80   81   82   83   84   85   86   87   88   89   90