Page 86 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 86

‫العـدد ‪١٩‬‬   ‫‪86‬‬

                                                      ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

    ‫جعلها تبدو لطيفة هادئة راضية‪ ،‬ثم كان افتعال‬         ‫ثم حملت زوجته وجاءت له بمنى‪ ،‬التي بمجيئها‬
   ‫اللطف ضرور ًّيا‪ ،‬فكيف كانت ستسوق له نفسها‬              ‫انهارت معظم السدود التي أقامها مصطفى بينه‬
                                                                                          ‫وبين الناس‪.‬‬
                                         ‫بدونه؟‬           ‫قال لنفسه وهو يرى تدفقه تجاه طفلته‪ :‬ابنتي‬
      ‫أما وقد تحققت الأحلام فقد حان وقت خلع‬
       ‫الأقنعة‪ ،‬ظهر له أن المرأة تعاني من إحساس‬       ‫ليست من الناس‪ ،‬إنها المستقبل فإن كنت قد خسرت‬
  ‫مقيم راسخ بالضآلة‪ ،‬حاول البحث عن سبب لذلك‬               ‫الماضي ومعه الحاضر فكيف أخسر المستقبل؟‬
     ‫الإحساس فلم يظفر بشيء‪ ،‬هى ضئيلة وانتهى‬               ‫بعد منى بعام واحد فقط وفي بطن واحد جاء‬
                                                           ‫شقيقاها بلال ويحيى‪ ،‬بلال سبق يحيى بخمس‬
                                          ‫الأمر‪.‬‬            ‫دقائق كاملة‪ ،‬جعلته الكبير المطاع! وبمجيئهما‬
    ‫كانت تحاول دفع الضآلة عنها‪ ،‬فبدأت بالتنمر‬                                          ‫انهارت السدود‪.‬‬
  ‫ثم لم تجده ناف ًعا‪ ،‬فراحت تكتئب‪ ،‬ثم لم تجد الكآبة‬
   ‫ترفع لها ذك ًرا‪ ،‬فقذفت بنفسها إلى قاع التوحش‪.‬‬      ‫لقد عاد مصطفى إلى زمنه مع نوال‪ ،‬حيث التعلُّق‬
‫نامت ثم صحت فوجدته سخي ًفا متعاليًا متغطر ًسا‬          ‫بأد ِّق تفاصيل المحبوب‪ ،‬كان إن م ِرض أحدهم يكاد‬
 ‫ماد ًّيا يعبد القرش ويسجد لمنفعته الخاصة‪ ،‬خياليًّا‪،‬‬    ‫يجن‪ ،‬كان إذا جاء من عمله يبدأ بمداعبتهم قبل أي‬
‫خائبًا‪ ،‬بلي ًدا‪ ،‬هو بالجملة الشيطان الرجيم‪ ،‬الذي ليس‬
    ‫بأرضه ولو بقعة واحدة تصلح لزراعة أي شيء‬                                                     ‫شيء‪.‬‬
                                                        ‫لقد أخلى لهم أكبر وأطهر غرف قلبه لكي يقيموا‬
                    ‫نافع‪ ،‬فكل أرضه نجسة عاقر‪.‬‬
                                                                          ‫بها إقامة دائمة غير مشروطة‪.‬‬
                        ‫>>>‬                              ‫عاش مصطفى سنوات اعتصر فيها دماغه لكي‬

    ‫أدرك مصطفى أن تخلُّصه منها لا يعني سوى‬                 ‫يصل إلى تلك النقطة التي بدأ منها نشع كراهية‬
    ‫حرمانه إلى الأبد من أولاده‪ ،‬فهى متوحشة ولن‬                           ‫زوجته له يضرب أساس البناء‪.‬‬
‫تقيم وز ًنا لشيء أو لأحد‪ ،‬إنها من ذلك الصنف الذي‬
                                                         ‫هو لم يكن من الذين يؤمنون بالتب ُّدل الفجائي‪،‬‬
                           ‫يقطع أنفه ليغيظ جاره‪.‬‬      ‫هناك نقطة سم سقطت في الكأس ثم تراكمت النقاط‬
‫ثم أدرك أن حرمانه من أولاده يعني موته البطيء‪،‬‬          ‫حتى فاضت الكأس‪ ،‬كان يسأل نفسه‪ :‬هل بدأ الأمر‬
‫وهو لا يريد الموت البطيء‪ ،‬إنه يتمنى أن يموت مرة‬
                                                         ‫في تلك الليلة التي قالت فيها كذا فرددت أنا بكذا؟‬
                             ‫واحدة‪ ،‬دفعة واحدة‪.‬‬        ‫أم بدأ في ذلك الضحى الذي فعلت فيه كذا ففعلت‬
    ‫على ما سبق فقد اعتصم بأمور حياته السرية‬
                                                                                               ‫أنا كذا؟‬
                                  ‫شديدة العلًنية!‬                                   ‫أين نقطة البداية؟‬
   ‫فهو يقرأ وينهل من أصفى ينابيع المعرفة التي‬              ‫بدون تحدي ِدها بصرامة وحسم لن يصل إلى‬

      ‫تحتويها كتب مكتبة أسسها هو وأبوه‪ ،‬ثم هو‬                                                   ‫شيء‪.‬‬
    ‫يواصل تعلمه فنون العمارة‪ ،‬كأن أئمة ذلك الفن‬       ‫ثم أخي ًرا رحمه الله من وعثاء التفكير وهداه لتأ ُّمل‬
   ‫سيمتحنونه بعد ساعة‪ ،‬لقد وقع في غواية حسن‬
                                                                               ‫وقراءة شخصية زوجته‪.‬‬
                                          ‫فتحي‪.‬‬            ‫المرأة لم تكن طيبة في يوم من الأيام‪ ،‬لطف‬
    ‫كان طالبًا عندما كان حسن فتحي في سنواته‬
‫الأخيرة‪ ،‬لم يسع للقائه‪ ،‬ظنًا منه أن الرجل لن يموت‬                          ‫السنوات الأولى لم يكن لط ًفا‪.‬‬
                                                        ‫كانت سعيدة وهى ترى أحلامها تتحقق‪ ،‬فها قد‬
                       ‫إلا بعد أن يعيش عمر نوح!‬         ‫تزوجت بشاب مرموق ثم ها هي في فترة وجيزة‬
                                                       ‫تصبح أ ًما لبنت وولدين‪ ،‬سعادتها بتحقيق أحلامها‬
   81   82   83   84   85   86   87   88   89   90   91