Page 89 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 89

‫‪89‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

   ‫خناجر الجلسة قد استقرت في قلبه‪ ،‬حاول مرة‬              ‫تخلع قناع الراهب وتظهر وحوش الأنانية التي‬
‫نزع خنجر منها فكاد الدم أن يتدفق‪ ،‬فترك الخناجر‬                                     ‫تجرى في عروقك‪.‬‬
 ‫على حالها قائ ًل‪ :‬عندما أموت سيراها حفار القبور‬
                                                     ‫عاد مصطفى بظهره للخلف ومد ساقيه ثم صفق‬
  ‫وسينتزعها‪ ،‬سيربح كثي ًرا عندما يبيعها لأنها من‬          ‫برتابة وقال للتي تكرهه‪ :‬الله! ما أحسنك‪ ،‬أداء‬
                             ‫هزائم ذهبية نادرة‪.‬‬                                ‫مسرحي مبهر يا هانم‪.‬‬

  ‫بعد جلسة الخناجر‪ ،‬لم يحدث جديد مع المرأة‬              ‫اعتدل وتأمل عيون أولاده ليعرف موقفهم من‬
  ‫التي تكرهه‪ ،‬لقد مات كل تواصل بينهما من زمن‬            ‫كلام أمهم‪ ،‬لقد جاءه اليقين‪ ،‬أولاده موافقون‪ ،‬يا‬
‫بعيد‪ ،‬الجديد كان مع أولاده‪ ،‬يضحك ساخ ًرا عندما‬       ‫الله! أهو عند أولاده أناني كذاب عاشق للفقر يفضل‬
 ‫يقفز إلى ذهنه تعبير‪ :‬أولادنا فلذات أكبادنا تمشي‬
                                                                                     ‫الأشجار عليهم؟‬
                                   ‫على الأرض‪.‬‬           ‫لقد تحطم المعبد‪ ،‬كل الكلام بدون جدوى‪ ،‬كل‬
     ‫ها هم فلذات كبده يقاطعونه‪ ،‬مقاطعة تامة‪،‬‬          ‫الصراخ بدون جدوى‪ ،‬كل البكاء بدون جدوى‪ ،‬كل‬
‫يتهربون حتى من إلقاء السلام عليه‪ ،‬فإن تعذر على‬          ‫الصمت بدون جدوى‪ ،‬وحدها السخافة يجب أن‬
‫أحدهم التهرب‪ ،‬لم يبادر بإلقاء السلام‪ ،‬ينتظر حتى‬
   ‫يلقي أبوه التحية فيغمغم برد غامض‪ ،‬ثم يهرول‬                   ‫تتربع على عرش هذا المشهد الجهنمي‪.‬‬
                                                    ‫قال مصطفى موج ًها حديثه لأولاده‪ :‬لو قلنا إن كل‬
                  ‫ليختفي في أول غرفة تصادفه‪.‬‬
      ‫مر شهر على جلسة الخناجر‪ ،‬حاسب فيه‬                ‫كلام أمكم عني صحيح تما ًما‪ ،‬فهل أشجار حديقة‬
  ‫مصطفى نفسه أعسر حساب‪ ،‬وخلص إلى أنه قد‬             ‫بيت أبي تملأ حياتكم بالنمل وبالحشرات الطائر منها‬
 ‫أخطأ مرتين‪ ،‬مرة في اختيار الحبيبة والأخيرة في‬
                                                                                          ‫والزاحف؟‬
                                 ‫اختيار الزوجة‪.‬‬        ‫سكت الأولاد فواصل مصطفى كلامه قائ ًل‪ :‬لن‬
            ‫ولكن كيف كان سيحسن الاختيار؟‬               ‫أصف أمكم بالكذب‪ ،‬لأنها لم تكذب‪ ،‬أنا في عينيها‬
                                                       ‫وقلبها كما قالت‪ ،‬وهى تراني كما وصفتني‪ ،‬وفي‬
                ‫كيف كان سيعرف ما في الغد؟‬            ‫ختام هذه الجلسة اللطيفة سأقول لكم كلمة واحدة‪:‬‬
  ‫لقد مكثت نوال خمس سنوات تسبِّح بحبه‪ ،‬ثم‬            ‫هذا بيت أبي أنا‪ ،‬وليس بيت أبيكم أنتم‪ ،‬لن أبيع ولن‬
  ‫غدرت في لحظة‪ ،‬ومكثت المرأة التي تكرهه ثلاث‬        ‫تهدموا بيت أبي إلا إذا حجرتم عل َّي‪ ،‬وأحذركم من أن‬
    ‫سنوات ترتدي قناع اللطف‪ ،‬ثم أصبحت وح ًشا‬           ‫تقودكم هذه المرأة لتلك الخطوة لأن ر ِّدي سيكون‬

                     ‫كاس ًرا بين عشية وضحاها‪.‬‬                                                 ‫مدم ًرا‪.‬‬
‫كان من تمام محاسبة مصطفى لنفسه أن سألها‪:‬‬                 ‫بقيت كلمة ثانية‪ ،‬أنا مؤمن بأن بداخلي طلقة‬
                                                         ‫وحيدة وأخيرة سأطلقها في يوم من الأيام على‬
        ‫لماذا أنا تحد ًيدا الذي يقع في هذه الفخاخ؟‬   ‫رأس كل هذا القبح الذي يحيط بي‪ ،‬لا أريد أن تكون‬
 ‫رد على سؤاله قائ ًل‪ :‬اعلم يا مهندس تراخيص‬
                                                                         ‫رأس أحدكم مستق ًرا لطلقتي‪.‬‬
     ‫الحي الشهير بفساده‪ ،‬أنهم جمي ًعا لم يحطموا‬
  ‫قلاعك‪ ،‬لقد تسربوا إليك من ثغور عيوبك‪ ،‬أنت يا‬                              ‫>>>‬
 ‫سيد مصطفى مثل الفاكهة ولكنها فاكهة معطوبة‪،‬‬
 ‫فمن الطبيعي أن يجتمع عليها الذباب‪ ،‬هناك عيوب‬             ‫بعد تلك الجلسة اعتمد مصطفى على ظاهره‬
                                                    ‫المخادع‪ ،‬إنه رجل طبيعي تما ًما‪ ،‬يعيش حياة طبيعية‬
    ‫ما في شخصيتك تجعلك هد ًفا سه ًل لسهامهم‪،‬‬
  ‫أنت لم تضع يديك بعد على عيوبك‪ ،‬وأغلب الظن‬            ‫تما ًما‪ ،‬ليس هناك أي شيء يعكر المزاج أو ينغص‬
 ‫أنك لن تضع يديك عليها‪ ،‬فقد اشتعل رأسك شيبًا‪،‬‬           ‫الحياة أو ينكد المعيشة‪ ،‬أما في باطنه فقد كانت‬
   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94