Page 88 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 88
العـدد ١٩ 88
يوليو ٢٠٢٠
وكأن صوته يأتي من جوف قبر سأل مصطفى أحس مصطفى بما لم يحس به على مدار عمره،
بلا ًل :ومتى يبدأ تنفيذ الخطة ومتى تنتهي؟ لقد شعر وكأن أحدهم قرب جمرة متقدة من
رد بلال بثقة :لو حضرتك وقعت معه العقد اليوم خديه ،نعم الجمرة لم تحرق جلد خديه ولكنه شعر
سيبدأ غ ًدا ،وهو قال إن العمارة ستكون جاهزة بسخونتها تلفحه ،نظر باتجاه زوجته فرأى ابتسامة
للسكن بعد ثمانية أو تسعة أشهر من يوم توقيع
العقد. لعينة تتراقص على شفتيها.
أغمض مصطفى عينيه للحظات حاول خلالها كانت تلك الابتسامة هى الجمرة التي كادت تحرق
استحضار طيف أبيه ،ولكن الطيف لم يأت فمسح جلد خديه ،والتي جعلته يدرك حقيقة الموقف ،لقد
على وجهه وقال بهدوء :الخطة عظيمة لا شك في كانت ابتسامة النصر النهائي.
عظمتها ولكن لماذا أبيع بيت أبي؟ كانت ابتسامتها تقول له :كنت تظن نفسك شجرة
هنا لم تتمالك المرأة التي تكرهه نفسها فقالت وتظن أولادك عصافيرها ،لا يا زوجي العزيز،
بصوتها الذكوري المتحشرج من أثر السخط الذي
لقد ربيتهم أنا على عيني حتى جعلتهم الوحوش
يسكن قلبها :عن أي ماذا تتحدث؟ الكاسرة ،وها أنا أطلقهم عليك ،فلترني كيف
صدق الذي قال :الأعمى هو الذي لا يرى من ستخلص لحمك من بين أنيابهم؟
الغربال ،ابنتك مخطوبة ولا ب َّد من تجهيزها ،كيف
ابتسم مصطفى في وجوه أولاده ،ابتسامة الذي
ستجهزها؟ لا تقل لي :الفرج عند الله. يعلم أنه قد هزم ،ثم سأل بلا ًل :لماذا أنت صامت؟
وولداك هذان كيف سيواجهان الحياة وليس بين رد بلال كأنه لا يذبح أباه :سكت لأن الخطة كلها
أيديهما لا مال ولا سكن؟ عندي.
خطة بلال باركه الله ،ستضمن لكل واحد شقة هز مصطفى رأسه كأنه معجب بكلام ابنه :هل
يجري فيها الخيل ،ثم سنربح الكثير من تأجير شقق
الطوابق المتبقية ،وهذا الكثير سيجعلنا نصعد إلى تتك َّرم بالكشف عن خطتك؟
قال بلال :بعد بحث ومفاوضات ومساومات
سطح الدنيا. ولقاءات ،توصلت إلى اتفاق مع المقاول صادق
أشار إليها مصطفى بكامل كفه لكي تسكت السبع ،حضرتك تعرفه طب ًعا ،سنعطيه كامل مساحة
فسكتت ،فقال :كيف سترونني ،عندما أقول لكم البيت ،المباني والحديقة ،سيوفر لنا هو شقة من
خمس غرف وحمامين ومطبخ كبير ،وسيدفع هو
بملء فمي :لن أبيع بيت أبي؟ إيجارها ،ثم سيقوم بهدم البيت ،مع إزالة الحديقة
ران الصمت على الجميع للحظات ،ثم اندفعت طب ًعا ،ستكون بين يديه قطعة أرض مساحتها
التي تكرهه قائلة :وما الجديد في أنانيتك وغطرستك الصافية تساوي ثمانمائة متر ،سيبني عمارة شاهقة
من عشرة طوابق ،كل طابق يضم أربع شقق ،لك
وعشقك للفقر؟ ولماما شقة مساحتها مائتي متر ،وثلاث شقق
رفضك هدم البيت لا يعني سوى أنك تكره أولادك واحدة لكل واحد منا ،يعني كلنا سنجتمع في طابق
واحد ،وبعد أن أزهق روحي من المساومات ،قبل أن
وتقف في وجه مستقبلهم ،رفضك لا يعني سوى يحصل لنفسه على أربعة طوابق تكون ملكه يفعل
أنك تفضل هذه الأشجار البائسة التي تملأ حياتنا بشققها ما يشاء ،الخمسة طوابق المتبقية تكون بيننا
بالنمل والحشرات على أولادك ،هل تفهم أص ًل معنى وبينه ،نؤجر شقق تلك الطوابق ونتقاسم الإيجار،
كلمة أولاد؟ ولا أظن أن هناك عر ًضا أحسن من هذا؟
صدعتنا من كثرة ما قلت :أنا راهب في محراب
أولادي ،كل حياتك كلام في كلام ،ولكن ساعة الجد