Page 87 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 87

‫‪87‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

 ‫أخذت منه عياله‪ ،‬كانت تنسج خيوط شباكها خي ًطا‬     ‫وعندما عرف بخبر رحيله ضربه ألم من ذلك الألم‬
 ‫فخي ًطا وعقدة فعقدة في هدوء وحرص‪ ،‬فلم يشعر‬        ‫الذي كان يضربه في زمن نوال‪ ،‬اعتذر عن تقصيره‬
                                                   ‫في حق المهندس العبقري وراح يتتبع لمساته حتى‬
        ‫أ ًبدا بأن هناك مؤامرة قد وقع في فخاخها‪.‬‬
       ‫لقد دبرت المرأة فأحسنت التدبير وكادت‬            ‫عرف بين أبناء جيله بأنه أنجب تلاميذ مدرسة‬
    ‫فأحسنت المكيدة‪ ،‬صنعت ذلك على مدار الأيام‬                                 ‫حسن فتحي الهندسية‪.‬‬
    ‫والليالي والأسابيع والشهور والسنين‪ ،‬وعندما‬
                                                      ‫لقد نجا مصطفى من فخاخ كراهية زوجته له‬
              ‫جاءت ساعة الجد‪ ،‬تحطم كل شيء‪.‬‬         ‫لأن كل ما كان يفعله كان يفعله بروح ذلك الصوفي‬
  ‫كان مصطفى جال ًسا تحت شجرة نوال‪ ،‬عندما‬            ‫الذي يراه الناس يصلي ولكن لا يعرف أحد حقيقة‬
  ‫وجد أولاده يتَّجهون نحوه بمشية عسكرية كانوا‬
‫يمشونها بقصد إضحاكه‪ ،‬وكان هو يضحك صاد ًقا‬                                    ‫مشاعره وقت صلاته‪.‬‬
                                                  ‫لم يسمح مصطفى لأحد بأن يفسد عليه مشاريعه‬
           ‫من كل قلبه عندما يمشون تلك المشية‪.‬‬      ‫التي أنفق عليها عمره‪ ،‬مشاريعه تلك تبدأ من عنايته‬
‫تحلقوا حوله جالسين على مقاعد البامبو العتيقة‬
                                                    ‫الفائقة بأشجار حديقته اللطيفة وتنتهى برسوماته‬
     ‫التي يحرص الحرص كله على صيانتها فتبدو‬         ‫التي كانت زوجته تؤمن أنها تعاويذ تجلب شياطين‬
             ‫متماسكة متينة رغم مرور السنوات‪.‬‬
                                                                                    ‫الخراب والنكد!‬
  ‫سألهم مبتس ًما‪ :‬ماذا تريدون يا عصابة الخير؟‬
          ‫ردت منى‪ :‬نريد الخير‪ ،‬لنا وللآخرين‪.‬‬                              ‫>>>‬
               ‫سألها‪ :‬عن أي آخرين تتحدثين؟‬
                     ‫رد بلال‪ :‬حضرتك وماما‪.‬‬               ‫من مأمنه يؤ َتى الحذر‪ ،‬ولم يكن لمصطفى‬
                                                      ‫مأمن سوى أولاده‪ ،‬لقد كشف لهم ظهره ليقينه‬
   ‫جاءت المرأة وجلست خلف أولادها ولكن في‬              ‫بأنهم سيحمونه‪ ،‬وعرى لهم صدره ليقينه بأنهم‬
‫مواجهة مصطفى بحيث يتمكن من رؤيتها بوضوح‬              ‫سيدافعون عن قلبه‪ ،‬ولكن كان لزوجته رأي آخر‪،‬‬

                                           ‫تام‪.‬‬          ‫فقد بذرت البذرة وتع َّهدتها بالعناية والرعاية‬
   ‫قالت أم عياله‪ :‬أنا لا ناقة لي ولا جمل في هذا‬       ‫لسنوات في هدوء وسرية‪ ،‬حتى أصبحت البذرة‬
 ‫الموضوع‪ ،‬وما ستتفقون عليه مع أبيكم سأرضى‬
                                                        ‫شجرة سامقة لا يمكن اقتلاعها إلا بتضحيات‬
                                            ‫به‪.‬‬                                           ‫جسيمة‪.‬‬
   ‫شعر مصطفى بنمل التوتر يزحف في عروقه‬
    ‫فقال‪ :‬هل ندخل إلى صلب الموضوع مباشرة؟‬              ‫كان من قراءات مصطفى أنه قرأ ذات ليلة أن‬
                                                                         ‫النمل يتمتع بثلاث صفات‪.‬‬
            ‫رد يحيى بهدوء قاتل‪ :‬سنبيع البيت‪.‬‬
 ‫تدخلت يد القدرة الإلهية لكي لا يسقط مصطفى‬         ‫أو ًل‪ :‬الواقعية والتفكير الجيد في المستقبل؛ حيث‬
  ‫من فوق مقعده‪ ،‬لقد ضربه الألم الذي سحقه يوم‬                      ‫إنه يجمع في الصيف غذاء الشتاء‪.‬‬

                              ‫تسلم خطاب نوال‪.‬‬     ‫ثانيًا‪ :‬عدم الانسحاب أو الاستسلام أب ًدا لأن النمل‬
 ‫هو نفس الألم يهاجم بنفس سيوفه التي سقاها‬         ‫إن حاولنا حجزه في مكان محدد سيبحث عن وسيلة‬

                              ‫السم حتى ارتوت‪.‬‬        ‫ليخرج من المأزق بتسلق الحاجز أو بالمرور من‬
  ‫لقد استنكر صوته وهو يسأل أولاده‪ :‬أي بيت؟‬                                                 ‫جوانبه‪.‬‬
‫ر َّدت منى وكأنها لا تقود جيوش الألم‪ :‬هذا البيت‬
                                                   ‫ثالثًا‪ :‬التفاني في العمل‪ ،‬مع الحرص على التمسك‬
                                   ‫الذي نسكنه‪.‬‬            ‫بالهدوء الكامل‪ ،‬لكي لا يشعر بوجوده أحد‪.‬‬

                                                    ‫لقد كانت زوجته ضئيلة كنملة وقوية كنملة‪ ،‬لقد‬
   82   83   84   85   86   87   88   89   90   91   92