Page 82 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 82
العـدد ١٩ 82
يوليو ٢٠٢٠
في اليوم الثاني والعشرين على غيابها كانت لا يظل على قيد الحياة.
تزال قم ًرا بداخل مصطفى ،في بقع ٍة ما من قلبه، في اليوم الواحد والعشرين على غياب القمر ،دخل
عليه أبوه غرفته ،رآه ساق ًطا في حالة الصحو ،أخذه
كانت تشع بهجتها. من يده وهبط إلى حيث مجلسهما تحت ظل ورائحة
ولكن في ظهيرة ذلك اليوم دخلت عليه أمه غرفته،
كان ساق ًطا في نومه ،أيقظته بلطفها المعهود ،جلست شجرة نوال.
قال الأب :اسمع يا درش ما لن تسمعه من غيري،
على حافة سريره ،قالت بصوت مختنق :ليس لي
ولأبيك بعد الله سواك ،فعاهدني على أن تعود الابن أنت ابني الوحيد ،ولكن أخلاقك رفعتك إلى مقام
الأخوة ،أنت أخي يا ولد.
الذي أعرفه.
قبل قليل تسلمت من البوسطجي خطا ًبا لك ،على بداية أنت أخطأت وقد شاركتك أنا الخطأ عندما
غلافه اسمها ،خذ الخطاب ،اقرأه على مهل ،ثم خذ اكتفيت بمداعبات وحوارات لا تخص غيرنا ،اسمع يا
القرار الذي به تحفظ لقلبك شرفه. حبيبي :هى نوال عامر علي سعيد ،ثم ماذا؟
لا قبل تلك الظهيرة ،ولا بعدها جرب مصطفى أنت لا تعرف رقم هاتفها ،ص َّدقتها عندما قالت
أل ًما كالذي سحق قلبه وهو يقرأ كلمات خطابها...« :
مصطفى ،أكتب لك من أمستردام ،حيث كل شيء لك :ليس لدينا هاتف.
أجمل من مثيله في مصر ،هنا الحياة ،كما يجب أن أنت لا تعرف عنوانها ،ولا تعرف عمل أبيها ولا
تكون ،ما علينا ،منذ عرفتك وأنا ألفت نظرك إلى
عيوبك ولكنَّك لم تكن تنتبه لكلامي ،أنت أناني يا لقب عائلتها ،يا أخي ،أنا الآن متش ِّكك في صحة
مصطفى ،وبخيل ،وأنت لا تعرف شيئًا عن الحب، اسمها ما لم تكن قد رأيته بعينيك في ورق رسمي،
وثقتك بنفسك تساوي صف ًرا كبي ًرا ،ثم أنت فقير ،ثم لقد غاب عن المهندس عقله الهندسي الذي يحسب
أنت متكبِّر قا ٍس غلي ٌظ ف ٌّظ متغطرس ،تظن أن حياتك
حياة وأن معيشتك معيشة ،لقد سافرت لأعيش كما المسافات ويقيس الأبعاد.
أحب أنا وليس كما يحب لي الآخرون ،لن تقع عيناك كل مشكلة يا ولدي ولها حل ،لكن من المروءة
ألا يبحث الرجل عن حل لبعض مشكلاته ،لأن الح َّل
عل َّي ثانية ،وحاول إصلاح عيوبك هذا لو كانت سيكون ملو ًثا بأدران المذلة ،نستطيع الوصول إلى
حياتك تهمك». ضابط في قسم شرطة قويسنا ،وسنقدم له مبررات
بحثنا عنها ،وسيقتنع عط ًفا أو قانو ًنا ،وسيستطيع
>>> الضابط بإمكانياته الوصول إليها ،وجلبها إلى حيث
ما هذا؟ تجلس ،ثم ماذا؟
أهو بكل هذه البشاعة؟ هل ترضى بح ٍّب تحت هراوة البوليس؟
متى لفتت نظره إلى عيوبه؟ الحب يا أخي الحبيب هو في كينونته نوع من
في كل مقابلة كانت تقول له وعيناها تصعد إلى الرزق ،وأنت لم ُترزق حبها ،ثم الحب من أوله
وجهه :أنت فوق الإنسانية بشبرين ،أنت المسطرة لآخره ليس له معنى سوى العطاء ،فماذا ق َّدمت لك؟
التي أقيس عليها أفعال الآخرين. أراهنك بما بقي من عمري أنك ق َّدمت لها كل شيء
لم تذكر له أب ًدا عيبًا من تلك العيوب التي ملأت من قلبك إلى هداياك ،بينما هي لم تق ِّدم شيئًا يصح
بها رسالتها ،كانت تعيب عليه إفراطه في السخاء،
كانت تقول له :عيبك أنك تريد أن تصبح بح ًرا يهب الكلام عنه.
هى طعنة يا ولدي ته ُّد جب ًل ولكن من قال لك :إنك
لست أقوى من الجبل.
>>>