Page 80 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 80

‫العـدد ‪١٩‬‬                            ‫‪80‬‬

                                                               ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

‫حمدي عبد الرحيم‬

‫الطْلقة الأخيرة‬

   ‫الشرود‪ ،‬ويدمن الاهتمام بحديقة منزله والرسوم‬      ‫يبدو المهندس مصطفى كأنه كتلة من المشكلات‬
‫الهندسية والقراءة وسماع الموسيقا‪ ،‬كل هذا‪ ،‬إضافة‬
                                                       ‫والمآزق والأزمات‪ ،‬يخرج من واحدة فيجد أختها‬
   ‫إلى إدمانه المزمن لتقديم حلول منطقية ج ًّدا لأي‬   ‫تطرق بابه‪ .‬العجيب في أمره أنه عاش عمره مؤمنًا‬
                    ‫مشكلة يطرحها صاحبها عليه!‬
                                                       ‫بأن كل مشكلة لها حل‪ ،‬وأن المشكلة التي تجعل‬
                        ‫>>>‬                         ‫صاحبها يقف متأر ِج ًحا بين الموت والحياة صار ًخا‪:‬‬

                    ‫ما مشكلة مصطفى الكبرى؟‬                          ‫«أكون أو لا أكون»‪ .‬لم ولن تخلق‪.‬‬
     ‫مشكلته الكبرى‪ ،‬هى تحليه بصورة خارجية‬
                                                                           ‫>>>‬
       ‫تجعله يبدو رج ًل بدون مشكلات‪ ،‬ليس لأنه‬
    ‫حلال العقد ولكن لأنه لم يتحدث قط عن واحدة‬          ‫مصطفى فوزي‪ ،‬مهندس التراخيص في الحي‬
  ‫من مشكلاته‪ ،‬وتك ُّتمه هذا يعود لسبب يتوافق مع‬       ‫الشهير ج ًّدا بفساده‪ ،‬هبطت على قلبه‪ ،‬بل سحقت‬

                                      ‫شخصيته‪.‬‬                                          ‫كيانه مشكلة‪.‬‬
   ‫إنه يعرف كل ما يمكن أن تطرحه عليه بوصفه‬               ‫لقد تجاوز ما أهو أشد منها‪ ،‬لكنه الآن يقف‬
  ‫ح ًّل لمشكلته‪ ،‬هو لا يشكك في نيتك‪ ،‬بل يعلم أنك‬      ‫مكتوف اليدين وقد تزعزع إيمانه القديم الذي كان‬
   ‫جاد ومخلص وعاقل‪ ،‬ولكنه لن يعمل بحرف من‬                 ‫يرعاه ويحنو عليه كأن ذلك الإيمان طفل وهو‬
                                                      ‫الأم التي لا تحتمل أن يمس الهواء شعر وحيدها‪.‬‬
    ‫كلامك‪ ،‬ليس ِكب ًرا أو غطرسة‪ ،‬ولكن لأن حلولك‬        ‫مصطفى في الخمسين من عمره‪ ،‬يعني ما مضى‬
  ‫المنطقية العاقلة لا تتوافق مع شخصية مصطفى!‬          ‫أكثر مما بقي‪ ،‬متزوج من امرأة تكرهه وتتفنَّن في‬
  ‫ولكي لا يخسرك فهو لن يهمس لك أب ًدا‪ :‬أنا في‬            ‫تقديم أدلة كرهها له‪ ،‬يعول نفسه والمرأة التي‬

                                         ‫مشكلة‪.‬‬                                 ‫تكرهه وولدين وبنتًا‪.‬‬
                                                     ‫يحب أن يكون نظي ًفا لام ًعا مهند ًما‪ ،‬وهو لا يبخل‬
                        ‫>>>‬
                                                        ‫على نفسه بالعطور الأصلية‪ ،‬كما ‪-‬وهذه إحدى‬
 ‫كان المنطق يحتِّم أن يبدأ مصطفى رحلته العملية‬              ‫مشكلاته‪ -‬يدمن تدخين السجائر الأجنبية‪.‬‬
‫وهو في غاية الاكتئاب والتشكك في كل شيء‪ ،‬فقبل‬
                                                     ‫هو مصاب بأنواع عديدة من الإدمان‪ ،‬فهو يدمن‬
   75   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85