Page 81 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 81
81 إبداع ومبدعون
قصــة
يوم إعلان نتيجة البكالوريوس كانا م ًعا في فناء التحاقه بالعمل بشهور ،كان قد خسر قلبه.
كلية الهندسة بجامعة عين شمس ،كانت أقصر منه خمس سنوات قضاها مصطفى ليس في دراسة
فكانت تصعد بعينيها إلى حيث وجهه ،وكانت تلك
الهندسة ولكن في حب نوال ،من إعدادي هندسة
النظرة تذيبه وكان صعود عينيها يفتنه بل يفتِّته إلى سنة التخرج والجميع يعلم أن نوال لمصطفى
ويحيله إلى ذرات من ضوء شفاف نادر. ومصطفى لنوال ،كانت أمه وقتها على قيد الحياة
يومها سألته بكل دلال عرفته البشرية :ها قد وكانت ترسل لعروس الغالي المنتظرة ليس
تخرجنا فماذا بعد؟ السلامات فقط ،ولكن مرة ترسل شا ًل من الحرير،
ومرة ترسل بلوزة من القطن المصري ،وفي مرة
أجابها مصطفى بيقين الأنبياء والمرسلين :غ ًدا أرسلت كي ًسا ممتلئًا بليمون لم ير مصطفى خضرة
الأحد ستكون القاهرة رحيمة ،ستصحين مبك ًرا
كعادتك ،وسأنتظرك على رصيف القطار ،ثم سنذهب كخضرته ولم يشم رائحة كرائحته.
إلى بيتنا ،سيكون أمي وأبي في انتظارك لمنحك كان الأب عاق ًل ولذا كان متح ِّر ًرا ،كبر ابنه فا َّتخذه
هدايا النجاح ،ثم نأكل أحلى ملوخية خضراء من يد
أحلى أم في الكون ،ثم نهبط م ًعا إلى حيث شجرة أ ًخا ،في ساعات صفو مزاجه كان الأب يشاكس
ولده ويسأله «كيف هى عيون الجو يا درش؟».
المانجو التي أطلقت عليها اسمك ،وتحت ظلها الجو كلمة غزل قديمة تنتمي لزمن الأستاذ فوزي
ورائحتها نتفق على ميعاد أزورك فيه بصحبة أبي أستاذ العربي في مدرسة ثانوية مغمورة ،والجو
وأمي لطلب يدك الكريمة ،لا تحسبي حساب شيء هي نوال فلا جو ،بل لا أرض سواها ،ويوم بثت
فأبي متكفل بكل تكاليف الخطوبة ،هل رأيت كم هى الإذاعة مسلس ًل بعنوان «فين عيونك يا نوال؟»
سهلة أمورنا؟ عليك الافتخار بحبيبك الذي ُيهندس أصبح المسلسل وعنوانه رسائل مشفرة بين الولد
وأبيه ،تضحكهما مرة وتجذبهما مرات للحديث
كل خطوة يخطوها. الجاد عن مسئولية الحب وعن نعمه وعن بركاته
في الصباح القاهري الرحيم ،وقف مصطفى على
التي لا يح ُّدها حد.
الرصيف وجاء القطار لكن نوال لم تهبط منه. إذن كانت قصة مصطفى ونوال شرعية تما ًما
عشرون يو ًما مضت ولم يظهر قمره ،سأل عنها وعلنية ج ًّدا ،نعم مصطفى لم يكن يعرف عن نوال
سوى أن اسمها نوال عامر علي سعيد ،وأنها من
طوب الأرض وكلاب السكك ،ذهب إلى قويسنا، مدينة قويسنا ،فكثي ًرا ما انتظر لحظة هبوطها من
وسأل كل المارة عن نوال عامر علي سعيد التي القطار الصباحي الذي يحمل العمال وطلاب الجامعة.
كانت طالبة في كلية الهندسة بجامعة عين شمس،
البنت التي لها غمازتان ،البنت التي لها شعر أسود كيف هم أهل نوال؟
غزير ناعم لامع ،أقصد نوال التي تصعد بعينيها إلى هى قالت له :هم ناس طيبون.
أن تستق َّر نظراتها على صفحة وجهي ،نوال التي... غير طيبة أهلها واسمها الرباعي واسم مدينتها لم
بعضهم سبَّه ،آخرون ظ ُّنوه مجنو ًنا ،الرحماء قالوا يشغل مصطفى نفسه مرة بسؤالها ،كما لم تكن هى
تتح َّدث عن نفسها إلا بكلام عام لا يق ِّدم ولا يؤخر.
له :أنت تبحث عن إبرة في كومة قش. لم يلم مصطفى نفسه مرة لأنه لم يسأل ولم
مضى عشرون يو ًما على غياب القمر ،لم يكن يعرف ولم يكشف عن الجذور ،لقد كانت قمره
وكانت تغمره بضيائها ،فما معنى البحث والتق ِّصي؟
مصطفى يأكل أو يشرب أو ينام أو يصحو أو
يمشي أو يجلس أو يتكلَّم أو يصمت ،الح ُّق أنه كان >>>
يسقط ،كان يسقط في طبق الطعام أو في كوب
الماء ،قوة قاهرة كانت ُتسقطه في الضروريات ،لكي