Page 11 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 11

‫إبداع ومبدعون ‪9‬‬                                                                   ‫مرحلتها الأولى‪ ،‬خصو ًصا وقد جعلها الشاعر مادة‬
                         ‫رؤى نقدية‬                                                                ‫لكثير من نصوصه المبكرة‪ ،‬يقول‪:‬‬
                                                                                                                    ‫“امتلئ بهواك‬
  ‫إن فكرة الفداحة التي يعاينها الشاعر على الصعيد‬                                                                               ‫‪..‬‬
     ‫الشخصي الذاتي هنا‪ ،‬وعلى الرغم من وطأتها‬
                                                                                              ‫تلك الخطوط التي قد حسبت تعاكس؛‬
‫العاتية؛ لا يطرحها من منطلقات يائسة أو جسورة‪،‬‬                                                             ‫شدت خطاك على الدرب‪،‬‬
  ‫بل يتركها في منطقة الاحتمالات والأسئلة ال َد ِه َشة‬
                                                                                                    ‫قد أسلمتك إلى له ٍب كنت تجه ُل‬
      ‫(فهل تظل هكذا‪ /‬تموت أحيا ًنا كثيرة‪ /‬بلا‬                                                                      ‫نافذ ٍة تتشو ُف‪،‬‬
 ‫شهو ٍد أو صدى؟)‪ ،‬لنرجح نحن المتلقين مساراتها‬
                                                                                                        ‫قد أومأت بالطري ِق العصي ِة‬
            ‫وفق عموم المنجز وانحيازاته النهائية‪.‬‬                                                ‫محموم ًة في يديك و ُمرعد ًة في سماك‬
                                                                                    ‫وليس عليك سوى أن تمارس شهو َت َك المستحيل َة‬
                 ‫(‪)2‬‬
                                                                                                        ‫تغدو على وهج النا ِر جس ًما‬
 ‫الملمح الأساس الذي أعده عنوا ًنا على نضج تجربة‬                                                      ‫يلملم أشلاءه ويعاود صحوته‬
    ‫محمد السيد إسماعيل في مهدها؛ يأتي من اللغة‬
     ‫التي شكل بها رؤاه المبكرة‪ ،‬واللغة التي أعنيها‬                                                     ‫ويغني التوح َد حد الفناء»(‪)3‬‬
   ‫تشمل كل عناصر التشكيل الحاملة لمقاصده على‬                                          ‫فعلى العكس من كثير من الشعراء في تجاربهم‬
    ‫بياض الورق‪ ،‬بد ًءا من المفردة بمطلق إيحاءاتها‪،‬‬                                   ‫الأولى التي غالبًا ما تأتي أنينًا ذاتيًّا حول أسئلة‬
       ‫وانتهاء بعناصر سبك جملته الشعرية(‪ ،)5‬في‬                                    ‫وجودية أو مآزق عاطفية شخصية؛ يموضع محمد‬
      ‫نصوص اتسمت بالطول والامتداد خلال تلك‬                                            ‫السيد إسماعيل تجربته في قلب النار منذ البدء‬
      ‫الفترة‪ ،‬وكذلك هي اللغة الحاضنة لتخييلاته‪،‬‬                                     ‫(تغدو على وهج النار جس ًما)‪ ،‬ويتبنى القضايا‬
     ‫جزئية كانت أو قريبة من المشهدية‪ ،‬وهي التي‬                                       ‫المصيرية الكبرى‪ ،‬ذات الصلة المباشرة بالوطن‪،‬‬
                                                                                  ‫وما يصاحبها من تفاصيل جمرية‪ ،‬والأهم من ذلك‬
 ‫تجلي سخرياته وتمرداته‪ ،‬مع َلنة أو مض َم َرة‪ ،‬وعلى‬                                ‫وعيه المسبق باتجاهه وما يتبعه من مهالك محتملة‪،‬‬
    ‫الجملة؛ هي كل وسائله في كتابة نصه على ذلك‬                                     ‫ذلك ملمح أساسي أول لا يجب إغفاله في البدء‪ ،‬ولم‬
    ‫النحو المدهش‪ ،‬فمن أين إذن تتحقق خصوصية‬                                          ‫يكن الشاهد السابق هو الوحيد في سياق ما نحن‬
     ‫الشاعر إن كان ما سبق يعد مشتر ًكا فنيًّا بين‬                                 ‫صدده؛ بل الشواهد عديدة على ذلك(‪ ،)4‬وعلى الرغم‬
                              ‫الشعراء المجيدين؟‬                                    ‫من هذا التحديد الأول ّي‪ ،‬فيما يخص انحياز الشاعر‬
                                                                                    ‫(في الأغلب الأعم) لقضايا قومية ووطنية شائكة؛‬
‫تمثل لغة “محمد السيد إسماعيل” في ذاتها مفارقة‪،‬‬                                      ‫فإنه مارس أيضا تأملاته‪ ،‬وكشف عن الكثير من‬
 ‫فهي على الرغم مما تبدو عليه من حيادية وبساطة‬                                         ‫قلقه الشخصي في سياق من الاغتراب الشفيف‬
 ‫ظاهرة‪ ،‬فإنها عصية عندما تحاول أن تتفاعل معها‬
                                                                                                            ‫الطافر بالمرارة‪ ،‬يقول‪:‬‬
   ‫وأنت في طريقك لمحصلة مفهومية تشبعك‪ ،‬ولكن‬                                                                       ‫ها أنت قد رأيت‬
      ‫مراوغة اللغة سرعان ما تتبدد لمجرد انتباهك‬
                                                                                                       ‫واللحظة القصوى التي أتتك‬
   ‫إلى فعل المجاز فيها‪ ،‬ذلك الجسر الذي عليه تعبر‬                                                        ‫تمر في الجنبين سه ًما ناف ًذا‬
 ‫المتناقضات‪ ،‬وتتخذ منطقها‪ ،‬لنقرأ المقطع الآتي من‬                                                        ‫وموغ ًل حتى فداحة الرؤى‬

                                   ‫ديوانه الأول‪:‬‬                                                               ‫تسقط خائر القوى‬
                                            ‫“‪..‬‬                                                           ‫ولا تمد للذي رأيته اليدا‬

                                 ‫الطري ُق اشتها ٌء‪،‬‬                                                                ‫فهل تظل هكذا‬
                   ‫وفي الليل كن َت اعتصب َت الريا َح‬                                                           ‫تموت أحيا ًنا كثيرة‬
              ‫اولغحي ّمول َُتمهاعلبىا باشت ِبهائبيَكتِكفلتقانتعظد ٌْةر لا تحو ُل‬                             ‫بلا شهو ٍد أو صدى؟‬
                   ‫تعبئها بالكلام إلى زم ِن البع ِث‪،‬‬

                     ‫تمن ُح أرجاء َك الحكم َة الفاعلة‬
   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16