Page 13 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 13
11 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
لا تقل أهمية ،من مثل النبر كما أشرنا ،وتجانس التفعيلة ،ومحمد السيد إسماعيل ليس استثناء هنا،
المفردات صوتيًّا في (الخلق /يصطخبون- فقد التزم إيقاع التفعيلة في ديوانه الأول كام ًل،
سيفض /يسيل) ،والتكرارات المعنوية في
وفي عدد من قصائده اللاحقة عليه ،ولا أشتط إذا
(اصطخاب /اشتباك) ،والطباقات (وراءك/ قلت إن إيقاع التفعيلة ظل يراود الشاعر على مدار
أمامك) وهكذا يتحول المقطع إلى غابة من الإيقاعات تجربته الطويلة ،على الرغم من تجلياته اللاحقة في
المتداخلة على الأصعدة كافة. قصيدة النثر.
بنهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات تحول محمد الوزن حسب مفهومه في موروثنا هو “ما يتق َّوم
به الشعر ويع ّد من عناصره الجوهرية وهو بمثابة
السيد إسماعيل إلى قصيدة النثر؛ حييًّا في البداية تسا ٍو زمني للنطق ،هذا التساوي الزمني هو عبارة
وموغ ًل بعد ذلك ،ومع هذا التحول دخلت التجربة عن صورة من صور التناسب ،وأن هذا التآلف
يثير البهجة في النفوس ،وبقدر ما [اهتم] حازم
مرحلتها الثانية من التحولات على صعد فنية
ومفهومية عديدة. القرطاجني بالتركيب المتلائم[ ،اهتم] بالحركة
المنتظمة للوزن ،هذه الحركة شبيهة بالحركة
()4 المنتظمة للإيقاع الموسيقى ،لأن ك ًّل منهما يقوم على
نفس المبدأ ،وهو تناسب حركة الأصوات في تعاقبها
يمثل ديوان (الكلام الذي يقترب) ،والذي ضم
قصائد بين الأعوام ()1993 -1990؛ الخطوة المنتظم في الزمان”(.)8
الأولى لتحولات تجربة الشاعر على أكثر من صعيد. لا خلاف على هذا المفهوم الذي لم يكن خل ًّوا من
مفهوم ًّيا أبقى الشاعر على القضايا الوطنية العامة، الإشارات المهمة في سياق ما نحن صدده ،وأخص
ولكن من دون أن تحتفظ بصدارتها كما كان الحال إشارة أن الحركة المنتظمة للوزن شبيهة بالحركة
في التجربة الأولى ،وأدخل عد ًدا آخر من عناصر المنتظمة للإيقاع الموسيقي ،وأن في كليهما تناسب
المقول الشعري الأكثر قر ًبا للوقائع اليومية التي
مثلت الراهن المعيش ،من مثل التفاصيل اليومية، حركة الأصوات في تعاقبها المنتظم في الزمان،
والتأملات ،والمراجعات ،في (عندما كنت حاض ًرا) وأكثر ما ميز إيقاع شعر التفعيلة في ديوان (كائنات
( ،)10وهو عنوان عام على عدد من المقاطع المرقمة،
منها المقطع الآتي؛ يصور الشاعر حالة شخصية في انتظار البعث) هو ذلك التناسب المدهش الذي
ج ًّدا يعيشها من دون أن يخلص تما ًما من الأدران أجراه الشاعر ،فحقق إيقا ًعا موسيقيًّا خا ًّصا تجاوز
المعيشة ،يقول: محض التزامه الوزن ،فإذا أضفنا إلى ما سبق
قال لها عدول الشاعر عن الالتزام بالقافية ،وإيثاره النبر
عليها ،رأينا أنه حقق ما جاوز جرسها الخارجي إلى
العالم لا يرقى لمتاهتنا ذلك الانسجام الداخلي الأعمق ،لكن من أين يأتي
فاقترحي :ماذا نفعل؟
تلك زجاجتنا شاهقة ذلك الانسجام؟
ويداك تخبان بأرضي لنعد إلى الشاهد السابق وقد جاء على وزن المتدارك
وعلى سبيل التأمل ،يجعل الشاعر الراهن على
مسافة منه ليعيد قراءته من جديد ،ومن قلب بتتالي (فاعلن) بصورها كافة( ،)9هذا التنوع في
تفاصيل الشخصي المر ،يتجلى حكي ًما ،ساخ ًرا ،إلا صور تفعيلة المتدارك ناسب حالة التوتر الغالبة على
أن هذه السخرية تظل مضمرة ،في أغلب ورودها رحلة الصعود في المقطع من جهة ،وفي غياب القافية
خلف المسطور ،يقول(:)11
عم ًدا والاستعاضة عنها بالنبر بتحريك أواخر
بأب زاه ٍد الأسطر؛ تحققت الديمومة الحركية لتلاحق الأحداث
وأ ٍم تخطئ الهدف
من جهة ثانية ،وصو ًل إلى ما كان يجب أن يكون
عليه إخراج المقطع على بياض الورق بالشكل المدور
المعروف ،من جهة ثالثة.
داخل وزن المتدارك؛ مارس الشاعر ألوا ًنا إيقاعية