Page 18 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 18

‫العـدد ‪37‬‬          ‫‪16‬‬

                                                     ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬

   ‫إن منجزه وما طرأ عليه من تحولات خلال هذه‬                      ‫(‪)7‬‬
  ‫التجربة العريضة؛ يستحق وقفات أكبر من ذلك‪،‬‬
   ‫ولولا خصوبة هذا المنجز‪ ،‬ما أتيحت لنا كل هذه‬       ‫في دراسة سابقة لي في ديوان قيامة الماء(‪( )35‬كتبت‬
                                                         ‫قصائده بين الأعوام‪)2010 -2006 :‬؛ أشرت‬
       ‫المحاور للتحدث فيها‪ ،‬ونخلص منها ونخرج‬               ‫إلى أن محمد السيد إسماعيل مارس مغامرة‬
 ‫يصاحبنا شعور ضاغط بأننا لم نقل شيئًا ذا بال‪.‬‬
  ‫لقد بدأت تجربة الشاعر فتية ناضجة عميقة‪ ،‬ولم‬         ‫كتابة الديوان‪ /‬النص‪ ،‬وتلك هي المرحلة الثالثة في‬
                                                     ‫تحولات التجربة عمو ًما‪ ،‬وذكرت أي ًضا أنه نجح في‬
   ‫يكن قد جاوز العشرين من عمره‪ ،‬واستوت على‬            ‫انتشالنا من رتابة القراءة بتقسيم النص‪ /‬الديوان‬
  ‫ذروتها وهو على مشارف الستين‪ ،‬ولا يزال لديه‬         ‫إلى خمسين مقط ًعا‪ ،‬أو بالأحرى إلى خمسين مشه ًدا‬

      ‫الكثير كما أتوقع‪ ،‬وما ذاك إلا لإيمان الشاعر‬       ‫تفاوتت طو ًل و ِق َص ًرا‪ ،‬وطرحت سؤا ًل أساسيًّا‪:‬‬
     ‫بدوره وأثره‪ ،‬وإخلاصه وتحمله أعباء الرحلة‪،‬‬          ‫ما الذي يجعل من نص «محمد السيد إسماعيل»‬
    ‫مؤمنًا بالإنسان الفاعل القادر ومراهنًا عليه‪ ،‬لا‬
‫يعرف اليأس طري ًقا إلى رؤاه‪ ،‬لذا لم تنطفئ جذوته‬           ‫في «قيامة الماء» عنوا ًنا جدي ًدا على إرث شعري‬
   ‫أو تخ ُب شعلته‪ ،‬مهما استحكمت العتمة واختلت‬            ‫سماه العرب أول الزمان فخ ًرا وهجا ًء‪ ،‬لينتهي‬
                                                      ‫عند «محمود درويش» و»سميح القاسم» أيقونات‬
                                       ‫الموازين‪.‬‬      ‫إنسانية حادة التأثير؟ بعبارة بديلة‪ :‬ما الذي يميز‬
    ‫انتقل الشاعر من شعر التفعيلة الذي بدأ به إلى‬      ‫نص «محمد السيد إسماعيل» عن غيره من الشعر‬
   ‫قصيدة النثر‪ ،‬وكان متفر ًدا في الحالين على أكثر‬        ‫المنتمي لمجال القول ذاته؟ في منظوري الأمر في‬
  ‫من صعيد‪ ،‬عنايته الشديدة ببنية الجملة الشعرية‬       ‫مجمله مردود إلى وعي الشاعر ببناء نصه‪ ،‬وقدرته‬
‫حيث سلاسة التشكيل‪ ،‬واحترافه توظيف الوحدات‬                ‫على الإمساك بخيوط «قيامته» من المقطع الأول‬
‫الصورية الصغرى‪ ،‬وانفتاحه على التخييل المشهدي‬               ‫وحتى المقطع الخمسين‪ ،‬مفهوميًّا‪ ،‬فيما يشبه‬
  ‫في غالب مراحل التجربة وجعلها من صميم لحمة‬             ‫تسجيل المواقف بتفاصيلها الموجعة‪ ،‬من دون أن‬
 ‫النص وأحد عناصره البنائية‪ ،‬مما زاد من تأثيرها‬         ‫يتخلى عن يقينه بالانتصار النهائي‪ ،‬فأوغل إلى لا‬
                                                      ‫نهائية الإدانة‪ ،‬وتعرية العجز‪ ،‬واستنبات الأمل‪ ،‬في‬
                              ‫على صعيد التلقي‪.‬‬        ‫كل مشهد من مشاهده‪ ،‬بعد أن ن ّقل عدسته في كل‬
    ‫جرب محمد السيد إسماعيل في رحلته الشعرية‬
‫كل أساليب العربية في التعبير‪ ،‬وعبثًا ستجد تكرا ًرا‬                                            ‫اتجاه‪.‬‬
  ‫يشي بإفلاس معجمه الشعري؛ إن حاولت البحث‬
  ‫عن ذلك‪ ،‬لأنه مسكون على الدوام بتقديم الجديد‪،‬‬                   ‫وبعد‪،‬‬
‫وطامح أب ًدا إلى مجاوزة نفسه مع كل تجربة جديدة‬
                                                     ‫أقول في نهاية هذه الإلمامة التي تقصر عما تستحقه‬
                                  ‫في نص جديد‬             ‫تجربة الشاعر الدكتور محمد السيد إسماعيل‪:‬‬

                                                                        ‫الهوامش‪:‬‬

                                                                      ‫‪ -1‬أستاذ النقد الأدبي المساعد‪.‬‬
‫‪ -2‬محي الدين محسب‪ ،‬انفتاح النسق اللساني‪ -‬دراسة في التداخل الاختصاصي‪ ،‬ص‪ ،112‬ط‪ ،2008 ،1‬دار‬

                                                                       ‫الكتاب الجديد‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
                                                                 ‫‪ -3‬كائنات في انتظار البعث‪ ،‬ص‪.25‬‬
                       ‫‪ -4‬السابق‪ ،‬نص‪ :‬الجبل‪ ،‬ص‪ ،30‬ونص‪ :‬ريح‪ ،‬ص‪ ،37‬على سبيل المثال لا الحصر‪.‬‬
        ‫‪ -5‬من مثل أدوات الربط‪ ،‬والوصل‪ ،‬والتكرار بأنواعه‪ ،‬والحذف‪ ،‬ووجهة الضمائر‪ ،‬والتوازي‪ ..‬إلخ‪.‬‬
   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23