Page 23 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 23

‫‪21‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

 ‫الصلة بغايات ومقاصد يرمي إليها صاحب النص‪،‬‬             ‫الناظرين إليه؛ لذا فإن الرحيل خلف ما يسكن في‬
  ‫هذا الزاد وثيق الصلة بظروف وملابسات تتصل‬             ‫أعماق هذا المصنوع من دلالات تضعنا أمام حكم‬
‫بالمقام والظرف الزماني والمكاني المحيط بالنص عند‬      ‫يتسنى لنا إدراكه‪ :‬إن هذا المعنى القريب هو بمثابة‬
   ‫ظهوره‪ ،‬هذا الزاد وثيق الصلة بضوابط يجب أن‬            ‫نقطة اتفاق يلتقي عندها كل المتعاملين مع النص‬
‫يعيها من يريد النهوض بهذه العملية تتصل بعملية‬         ‫الأدبي في رحلة متابعتهم له‪ ،‬ويمثل درجة أو عتبة‬
                                                        ‫أولى الجميع يقف عليها بلا استثناء وهو المحطة‬
    ‫الانتقال من المعنى القريب إلى غيره‪ ،‬والشروط‬        ‫الأولى‪ ،‬أو لو شئنا قلنا‪ :‬السماء الأولى التي يعرج‬
      ‫الواجب مراعاتها؛ فهناك شطحات في التأويل‬
     ‫قد تذهب بالنص بعي ًدا؛ خصو ًصا فيما يتصل‬            ‫إليها ويمر منها كل الصاعدين بحثًا عن المعاني‬
                                                        ‫الأعمق الساكنة خلفها‪ ،‬وفي السعي إلى الوصول‬
 ‫بالنصوص الدينية؛ وهذا يعني أن المهتمين بمسألة‬
         ‫التأويل ليسوا على حال واحد هم أي ًضا(‪.)9‬‬         ‫إلى تلك المعاني تتبدد حالة الاتفاق هذه لتصير‬
                                                      ‫فرقة واختلا ًفا بدرجة كبيرة؛ إن إنتاج تلك المعاني‬
         ‫النص الأدبي‬                                   ‫المفترضة يخضع إلى حد كبير إلى شخصية الناقد‬
‫بين مسار الأديب ومسار الناقد‬
                                                          ‫ورصيده الفكري وأدواته في القراءة وقناعاته‪،‬‬
‫إن هذه العلاقة ذات الإيقاع المميز التي تجمع الذات‬         ‫وليس كل النقاد سواء في هذا الشأن؛ ومن ثم‬
‫الإنسانية على وجه العموم والذات المبدعة على وجه‬       ‫تصبح المعاني الثواني مجا ًل خصبًا رحبًا لقراءات‬
 ‫الخصوص بعالمها التي يمكن أن نحدها في طرفين‪،‬‬            ‫متنوعة لا ُيعلم لها عدد أو سقف تقف عنده؛ إن‬
                                                        ‫الثابت أو الأحادي إ ًذا على المستوى اللفظي وعلى‬
       ‫يؤدي أحدهما إلى الثاني‪ :‬التجربة الشعورية‬       ‫مستوى المعنى المباشر القريب يستحيل إلى متعدد‬
‫(التفاعل مع العالم)‪ ،‬والتجربة الشعرية (تحول هذه‬         ‫متنوع على مستوى الدلالة العميقة وكنهها‪ ،‬وفي‬
                                                        ‫حقل الفلسفة ظهر توجه يع ُّد وثيق الصلة به ما‬
   ‫الحالة التفاعلية إلى نسق تعبيري مميز)‪ ،‬تتصل‬             ‫يسمى بمناهج نقد النصوص وعلم التلقي في‬
    ‫بإحدى ثنائيات عالم اللغة السويسري فردينان‬          ‫النقد الأدبي في أطواره الأكثر حداثة؛ هذا التوجه‬
   ‫دي سوسير التي يحتويها كتابه‪ :‬محاضرات في‬             ‫هو الهرمنيوطيقا (‪ )Hermeneutics‬التي ترتبط‬
                                                        ‫في عملها بالتعامل مع النصوص الدينية (الكتاب‬
      ‫علم اللغة العام (محور العلاقات الاستبدالية‪،‬‬
  ‫ومحور العلاقات السياقية الترابطية)؛ إن الطرف‬                     ‫المقدس) وآليات استخراخ المعنى(‪.)8‬‬
 ‫الأول منها يشير إلى منطق الاختيار أو الاقتناص؛‬          ‫بناء على الطرح السابق فإن النص المؤسس على‬
  ‫أي أخذ المبدع من العالم ما قد ترك أث ًرا في الوعي‬     ‫اللغة إ ًذا هو بمثابة علامة تتكون من دال (شكل‬
                                                          ‫لغوي ظاهر) ومدلول‬
    ‫جدي ًرا بالتدوين والتسجيل على طريقة تعبيرية‬       ‫(معنى)‪ ،‬هذا المعنى هو ما‬
      ‫مخصوصة‪ ،‬أما الطرف الثاني المتعلق بمحور‬           ‫يقف منه المعنيون به على‬
     ‫العلاقات السياقية فيأخذنا إلى البناء التعبيري‬    ‫مذاهب أو حالات شتَّى؛ إذ‬
   ‫المشكل في صيغته اللفظية الظاهرة(‪ ،)10‬ويبدو أن‬        ‫ليس كل القراء يمتلكون‬
   ‫هذه العلاقة تدفع بقوة الناقد إلى الجمع في عمله‬    ‫القدرة على المضي قد ًما من‬
                                                        ‫المعنى الظاهر إلى المعنى‬
                    ‫بين هذين المحورين الأثيرين‪:‬‬         ‫الكامن أو الخفي للنص‪،‬‬
‫‪ -‬محور الرصد الشكلي الاستقرائي للقيم الجمالية‬         ‫الذي يحتاج في إنتاجه إلى‬
                                                     ‫زاد معرفي يجب أن يحصله‬
      ‫للنص الإبداعي وإدراك العلاقات الرابطة بين‬          ‫من يريد النهوض بهذه‬
  ‫عناصره‪ ،‬انطلا ًقا وإيما ًنا بما ذكره أرسطو بشأن‬       ‫العملية‪ ،‬هذا الزاد وثيق‬
 ‫مصطلح المحاكاة؛ إذ يستطيع من خلالها أن يتبين‬
 ‫ما يسود العمل الفني من خلق وانسجام وتناسق؛‬
‫لذا فإن على الناقد عبر هذا المحور إضاءة ما تنطوي‬
‫عليه أجزاء العمل من تفاعل فيما بينها‪ ،‬هذا التفاعل‬
   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28