Page 24 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 24

‫العـدد ‪37‬‬   ‫‪22‬‬

                                                     ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬

 ‫الشرح والتأويل في التراث القصصي‬                         ‫يشجع على ضرورة وقوف العملية النقدية على‬
                                                        ‫أمارات تفرد كل تجربة شعرية وتميزها بسمات‬
 ‫وبالإمكان الوقوف على هاتين النزعتين في التعامل‬
  ‫مع العالم عمو ًما؛ نزعة الشرح أو القراءة الظاهرة‬                               ‫خاصة عن غيرها(‪.)11‬‬
                                                     ‫‪ -‬محور الاستكشاف الدلالى أو إنتاخ القيم الدلالية‬
    ‫للأمور‪ ،‬ونزعة التأويل أو القراءة المتعمقة التي‬
     ‫تتدثر بثوب فلسفي يبحث في العلل والغايات؛‬          ‫للنص الإبداعي‪ ،‬وفي هذا المحور تبدو جلية فرادة‬
  ‫ففي كتاب الأغاني للأصفهاني أبي الفرج علي بن‬        ‫كل ناقد وقدر الاستقلالية الذي يحظى به عن غيره‬
‫الحسين يمكننا الوقوف أمام الخبر القصصي الآتي‬
      ‫ويتصل بليلى الأخيلية محبوبة الشاعر توبة‪:‬‬        ‫في المجال نفسه؛ فعلى الرغم من التوظيف المنهجي‬
    ‫«بلغني أن ليلى الأخيلية دخلت على عبد الملك بن‬          ‫الذي قد يلتقي عنده الناقد الواحد بغيره فإن‬
‫مروان وقد أسنَّت‪ ،‬فقال لها ما رأى في ِك توبة حين‬
     ‫هوي ِك؟! فقالت‪ :‬ما رآه الناس فيك حين ولوك؛‬        ‫الوقوف على المعنى الثاني قد يمثل فرصة سانحة‬
                                                          ‫للحضور الفردي لشخصية كل ناقد على حدة‪.‬‬
        ‫فضحك حتى بدت له سن كان يخفيها»(‪.)13‬‬
‫إننا من خلال البنية الدرامية للخبر بصدد قراءتين‪:‬‬        ‫وفي هذا المحور الأخير نضع أيدينا على اتجاهات‬
                                                         ‫منهجية تحظى بانتشار كبير منذ بدايات القرن‬
   ‫الأولى‪ :‬قراءة يمكن نعتها بالسطحية تكتفي فقط‬            ‫العشرين وتحدي ًدا مع الأثر الفاعل الذي خلفه‬
  ‫بالظاهر من الأمور‪ ،‬ويمثلها عبد الملك بن مروان‪،‬‬         ‫فردينان دي سوسير في حقل الدرس اللساني‪،‬‬
   ‫الذي نظر إلى المرأة نظرة جسدية ظاهرة؛ فراعه‬
                                                           ‫ولا يزال لها وجودها الواضح داخل الساحة‬
     ‫ما تبدو عليه ليلى من كبر سن قد انعكس على‬           ‫النقدية‪ ،‬نقصد بالتحديد السميولوجية؛ بوصفها‬
      ‫ملامحها‪ ،‬وهذا شأن كل إنسان وليس حالها‬             ‫حاضنًا وراعيًا لمناهج التلقي أو قراءة النصوص‬
‫وحدها؛ فبنى تعجبه أو استنكاره ودهشته على هذا‬           ‫وبجوارها ما يسمى بالنقد الثقافي ومقولاته التي‬
‫البعد في الرؤية الذي يمكن وصفه بأنه بمثابة رؤية‬       ‫تمنح شخصية الناقد طاب ًعا موسوعيًّا؛ بما تفرضه‬
                                                     ‫عليه من إلمام بحقول معرفية‪ ،‬كالتاريخ وعلم النفس‬
                                ‫بصرية فحسب‪.‬‬          ‫والفلسفة وعلم الاجتماع‪ ،‬إضافة إلى دراياته باللغة‬
    ‫الثانية‪ :‬محاولة لتقديم قراءة أكثر عم ًقا تتجاوز‬   ‫وبالأدب وفنونه بالطبع؛ إن السيميولوجية أو علم‬
  ‫عتبة الظاهر القريب وما ينطوي عليه من َع َجل في‬        ‫العلامات التي خرجت من رحم ثنائيات فردينان‬
  ‫الحكم وتسرع‪ ،‬تعكسه بداي ًة هذه الفاء التي تفيد‬
 ‫السرعة في منطوق الراوي «فقال لها»‪ .‬هذه القراءة‬            ‫دي سوسير الشهيرة‪ ،‬وتحدي ًدا ثنائية (الدال‬
                                                     ‫والمدلول)(‪ )12‬التي ضمنها كتابه‪ :‬محاضرات في علم‬
                                                       ‫اللغة العام تعد بمثابة البوصلة التي تضبط حركة‬
                                                      ‫الناقد المتوسل بأدوات منهجية موضوعية في أثناء‬

                                                             ‫تعامله مع عالم المبدع المصنوع‪ ،‬ولذلك فإن‬
                                                           ‫هوية النص التي يكتسبها بفضل خصوصية‬
                                                         ‫تشكيله من قبل صاحبه تتأكد بفضل شخصية‬
                                                        ‫الناقد التي تتجاوز بتلك الخصوصية عتبة القيم‬
                                                           ‫الجمالية ووسائل الربط بين أجزائه إلى عتبة‬
                                                         ‫المعنى الذي يجعل النص قاب ًل للحياة وللحركة‬
                                                         ‫والتمدد الأفقي في فضاءات تتداوله وتجعل من‬
                                                            ‫الشكل الذي تمت صياغته بآلية تشد المتلقي‬
                                                         ‫إليه مطية لميلاد قد يكون جدي ًدا له بفضل حالة‬
                                                          ‫التأويل التي سيتعرض لها وما قد تسفر عنه‬
                                                         ‫من دلالة لم يكن قد ُسبق إليها خلال رحلته في‬

                                                                                 ‫فضاء النقد والقراءة‪.‬‬
   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29