Page 20 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 20
العـدد 37 18
يناير ٢٠٢2
د.أحمد يحيى علي*
النص والقارئ وإنتاخ المعنى
ثنائية الشكل والمضمون التي تتكون منها أية علامة لغوية تأخذنا
إلى عمليات عدة :الوصف الذي يستغرقه الشكل والعناصر التي
يتكون منها وما بينها من علاقات فحسب .وفيما يسمى بنقد الحداثة
يبدو هذا واض ًحا في تيار البنيوية .الاستكشاف الذي تنتهي به
رحلته أمام المعنى القريب الظاهر الذي يمكن نعته بالمعنى المخادع
أو القناع الذي يرتديه المعنى الذي ُيفترض أن النص يقصده.
الاستكشاف الذي يدرك أن المعنى الأول أو الظاهر ليس نهاية
المطاف؛ ومن ثم فإن عليه القيام بمزيد جهد لإدراك المعنى العميق.
تعالى «الرحمن .عل َّم القرآن .خلق الإنسان .علَّمه مفتتح
البيان»( ،)1ويمكن الوقوف على طبيعة هذا البيان
وأنماطه من خلال ما أشار إليه الجاحظ في كتابه الإنسان؛ بوصفه أرقى الكائنات الحية على
البيان والتبيين من أن جميع أصناف الدلالات على
سطح الأرض ،يدير علاقته بالعالم ،عندما يحيل
المعاني من لفظ وغير لفظ خمسة أشياء؛ أولها هذا الأخير إلى مادة للتفكر بحثًا ورص ًدا وتحلي ًل،
اللفظ ،ثم الإشارة ،ثم العقد (ضرب من الحساب ثم محاولة الوصول إلى نتائج هي بمثابة قناعات
يكون بأصابع اليدين) ،ثم الخط ،ثم الحال التي
أو خبرات تمثل لهذا الإنسان عتبات يقف عليها
تسمى نصبة ،والنصبة هي الحال الدالة(.)2 ليشيد بنيانه الحضاري والثقافي حيثما وجد ومتى
والنقد أحد مظاهر استخدام الإنسان للعقل في وجد؛ ومن ثم يصير لعاملي الزمان والمكان دورهما
القراءة ،وبحكم ما تنطوي عليه مادته اللغوية (نقد) البارز في هذه العملية ،يضاف إليهما عوامل كاللغة
من دلالات أولية ،كالبيع والشراء ،أو الأخذ والعطاء
الذي يقتضي وجود طرفين يمكن الوقوف على هذا والمعتقد.
الطابع الاتصالي المميز لها؛ فمن هذه الثنائية الأثيرة والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وعلمه البيان،
(الإنسان والعالم) تتولد علاقتان: منحه القدرة على التعبير عن الفكر والشعور
-الأديب والعالم ومن حاصل تفاعلهما يخرخ المتولد بداخله نيتجة علاقته بالعالم وتأثره بما
يجري فيه وتأثيره هو الآخر فيه ،وها هو ذا قوله