Page 153 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 153

‫حول العالم ‪1 5 1‬‬

‫نبيل وافتقاره للعون السؤال‬         ‫في المكتب مؤكدة‪ ،‬حيث لا‬      ‫فتعود به الذاكرة إلى مأساته‬
   ‫الذي يوجهه إلى إسماعيل‬          ‫فرصة هناك لإقامة علاقة‬            ‫الشخصية التي تزامنت‬
     ‫في لقائهما الأول‪ .‬بسيط‬     ‫مع أي من زملاء العمل‪ .‬بعد‬
    ‫ومباشر‪ ،‬كما هو‪ ،‬يعكس‬            ‫لحظات عدة‪ ،‬كان يترجم‬        ‫وأزمة سياسية‪ /‬عسكرية في‬
    ‫سؤال نبيل فلسفة المكان‬        ‫لفيليب السريلانكي‪ ،‬معنى‬                            ‫وطنه‪:‬‬
   ‫الذي يولي كبير أهمية إلى‬
                                     ‫آية قرآنية‪« ،‬ولقد خلقنا‬    ‫كيف انتهى الأمر إلى الجنون‬
  ‫القيم المادية للأشياء‪« :‬كنت‬             ‫الإنسان في َك َبد»‪.‬‬   ‫ثم الموت؟ توالت عليَّ الرسائل‬
  ‫أنتظرك بفارغ الصبر‪ ،‬أريد‬
   ‫أن أسألك‪ ،‬غرفة مثل هذه‬            ‫في الفصل نفسه‪ ،‬ينتاب‬        ‫مكتوبة بحبر أحمر وأخضر‬
                                     ‫إسماعيل شعور حاد لا‬        ‫وأزرق وأسود‪ ،‬لماذا لم تنتبه؟‬
     ‫مهجورة‪ ،‬وبلد مثل هذه‬            ‫مبرر له بالكراهية تجاه‬
  ‫مهجورة‪ ،‬وخزانة مثل هذه‬           ‫نبيل‪« :‬برغبة في أن أقتله‪.‬‬      ‫كان اليوم هو الخامس من‬
‫عامرة‪ ،‬ماذا تفعل بها؟ قل لي‬       ‫لو أن سكينًا كانت في يدي‬           ‫يونيو‪ ،‬يوم لا ينساه في‬
‫بالله عليك» (ص‪ .)25‬ومثلما‬        ‫لطعنته‪ ،‬ووقفت أراقب الدم‬           ‫مصر أي أحد‪ ..‬لم أعرف‬
                                  ‫يمشي فوق الأرض‪ ،‬لام ًعا‬
    ‫رأى إسماعيل نبيل وهو‬            ‫تحت الضوء» (ص‪.)53‬‬           ‫بموتها إلا قبل سفري إلى هنا‬
   ‫يتوسط في سرقة الخزانة‪،‬‬        ‫المثير للسخرية‪ ،‬أنه في نفس‬      ‫بأيام‪ ..‬لم يبد عليها قط أنها‬
 ‫في البداية‪ ،‬وفيما يلي‪ ،‬فكذلك‬     ‫اللحظة كان نبيل يشكو له‬         ‫يمكن أن تجن‪ ،‬فما بالك أن‬
  ‫شهد العنف الوحشي الذي‬              ‫مخاوفه من عابد‪ ،‬زميل‬                 ‫تموت‪( .‬ص‪)226‬‬
  ‫عومل به نبيل أثناء القبض‬          ‫نبيل في الحجرة ورئيسه‬            ‫المفارقة هنا‪ ،‬أن مشاهد‬
  ‫عليه‪ ،‬عندما تم الإمساك به‬      ‫في العمل‪« ،‬عابد هذا ثعبان‪،‬‬            ‫المعاناة غالبًا ما تكون‬
 ‫قبل مغادرته النهائية‪ ،‬بعدما‬    ‫كوبرا‪ ..‬أحيا ًنا أقوم من النوم‬       ‫مسبوقة بمشاعر الأمل‬
                                   ‫فز ًعا خو ًفا من أن يقتلني‪.‬‬        ‫والبهجة‪ ،‬التي سرعان‬
            ‫استقل الطائرة‪.‬‬          ‫لماذا يحدث ذلك يا أستاذ‬           ‫ما تخبو بفعل ما يليها‬
   ‫في مناسبات عديدة‪ ،‬خلال‬        ‫إسماعيل؟ هل سأجن هنا؟»‬             ‫من أحداث‪ .‬فقبل المشاهد‬
                                                                 ‫العديدة للمعاناة الشديدة في‬
      ‫الرواية‪ُ ،‬ينظر إلى المال‬                   ‫(ص‪.)53‬‬          ‫المستشفى‪ ،‬يصحو إسماعيل‬
       ‫كمحرك للأفعال‪ .‬بد ًءا‬        ‫نبيل شخصية تراجيدية‬              ‫في الصباح على إحساس‬
      ‫من الفصل الأول حيث‬        ‫تبرز في الرواية‪ ،‬حيث يزداد‬        ‫مبهج بأنه «في صباح اليوم‬
    ‫يذكر قريب إسماعيل أن‬         ‫قربه من إسماعيل تدريجيًّا‬          ‫التالي بدت لي الدنيا أكثر‬
  ‫انتهاء زواجه يرجع إلى أن‬        ‫مع مرور الزمن‪ .‬وتأكد أن‬        ‫بهاء حولي‪ .‬أحسست بهزالي‬
‫«(زوجته) أرادت أن تشتري‬           ‫الزمن هو عدو نبيل‪ ،‬مثلما‬       ‫وشحوبي‪ ،‬وأن جسمي بات‬
 ‫أر ًضا في قريتها‪ ،‬وأردت أن‬         ‫تأكد ذلك لآخرين غيره‪.‬‬        ‫كأنه أثير‪ ،‬شيء بين السماء‬
‫أشتري في قريتي» (ص‪،)14‬‬             ‫فكلما طالت إقامة نبيل في‬      ‫والأرض» (ص‪ .)208‬ومثل‬
    ‫و‪ ،‬حينما يدخل إسماعيل‬        ‫تبوك زادت خسائره المالية‪،‬‬       ‫ذلك‪ ،‬في الفصل الرابع الذي‬
  ‫مكتبه الجديد للمرة الأولى‪،‬‬     ‫فخسارته لدخله الذي أنفقه‬          ‫يبدأ بتفكير إسماعيل «أي‬
      ‫يعرض عابد محتويات‬         ‫على خطيبته التي هجرته‪ ،‬هو‬         ‫يوم جميل هذا؟!» (ص‪)47‬‬
‫خزانة الشركة أمام إسماعيل‬       ‫إعادة ل َقدر سعيد الذي خسر‬            ‫بينما ينظر «متطلعا إلى‬
   ‫كمبادرة استهلالية للقادم‬      ‫شقته في القاهرة بعد انهيار‬           ‫السماء الزرقاء العالية‪،‬‬
                                  ‫العمارة‪ ،‬مما يعني خسارة‬           ‫والفضاء السابح في نور‬
                    ‫الجديد‪:‬‬      ‫جميع مدخراته‪ .‬يفسر يأس‬            ‫الشمس الباهر» (ص‪.)47‬‬
‫ما كدنا ندخل إلى الغرفة التي‬
                                                                ‫قبل أن يعرف يقينًا‪ ،‬كان لدى‬
    ‫سأعمل بها‪ ،‬حتى انشغل‬                                          ‫إسماعيل تصور بأن غربته‬
‫عني عابد بفتح خزانة معدنية‬
   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157   158