Page 151 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 151

‫حول العالم ‪1 4 9‬‬

    ‫الكلام» (ص‪ )241‬يقول‪،‬‬          ‫للروابط التي تربطه بوطنه‪،‬‬      ‫بالصمت‪ ،‬قائ ًل‪« :‬هناك نوع‬
  ‫وبنحو أدق‪« ،‬بلاد يترصد‬          ‫بحيث يصل‪ ،‬في النهاية‪ ،‬إلى‬        ‫آخر من الصمت في البيت‬
 ‫فيها الهواء الأحاسيس (بين‬
  ‫العاشقين) ينقلها للعسس»‬            ‫التفكير في هذا الأمر بأنه‬   ‫الذي أحببته وأحببت العودة‬
‫(ص‪ .)233‬الأشكال المتنوعة‬           ‫أدى إلى «ضياع كل شيء»‬        ‫إليه‪ ،‬والبقاء فيه أطول وقت»‬
                                 ‫(ص‪ .)303‬هو يعاتب نفسه‬
      ‫للعقوبة الرادعة بسبب‬         ‫لعدم قدرته على استحضار‬                         ‫(ص‪.)71‬‬
   ‫مخالفات وجرائم بسيطة‪،‬‬                                                 ‫إن شعور إسماعيل‬
‫غالبًا ما ُترتكب بسبب العجز‬            ‫وجه أمه‪ ،‬حدث يرتبط‬            ‫بالاغتراب‪ ،‬بأية حال‪ ،‬لا‬
   ‫الذي يجسد مناخ القسوة‬          ‫بنحو قريب بعدم استطاعته‬            ‫يخفت بمرور الوقت‪ ،‬إذ‬
 ‫والعنف السائد‪« :‬هنا النملة‬                                           ‫يتواصل تذكير القارئ‬
‫لو شردت عن طريقها» يبين‬             ‫رؤية القاهرة من الطائرة‪.‬‬         ‫بمشاعر الغربة لديه‪ ،‬في‬
 ‫البلتاجي «ستجد فوقها ألف‬            ‫ويتساءل منده ًشا «كيف‬       ‫نهاية الرواية كما كان الأمر‬
  ‫قدم‪ ،‬هنا لو أ َّذن الديك قبل‬      ‫ضاعت مني صورة وجه‬                ‫في أولها‪ .‬وقبل مغادرته‬
                                  ‫أمي إلى الحد الذي لم أنجح‪،‬‬        ‫بقليل يقول إسماعيل إن‬
     ‫الفجر ما رأى فج ًرا بعد‬     ‫ولو مرة‪ ،‬في استحضاره‪ ،‬عل‬       ‫العواصف الترابية التي تميز‬
‫ذلك» (ص‪ .)180‬والحيوانات‬           ‫يلحق الموت بالخيال أيضا؟»‬       ‫الحياة في تبوك‪ ،‬وهي ال َعج‬
 ‫كالبشر ُعرضة لأشكال عدة‬                                          ‫«يثور كل وقت صار ًخا أن‬
‫من العنف الشديد‪ .‬كالكلاب‪،‬‬                        ‫(ص‪.)377‬‬        ‫البلاد غير البلاد» (ص‪،)361‬‬
                                    ‫مشاعر مختلطة مشابهة‪،‬‬             ‫وفي الفصل قبل الأخير‬
   ‫«هيهات للكلاب أن تنجو»‬          ‫أثناء رحلة عمل إلى مصر‪،‬‬       ‫يفكر في نفسه «ماذا يفيد أن‬
      ‫(ص‪ )121‬داخل حدود‬            ‫تبدو وكأنها تشير إلى أزمة‬      ‫أحدثه عن وحدتي وتفكيري‬
                                     ‫هوية تطفو على السطح‪:‬‬        ‫كل يوم في أنه لا أحد حولي‬
‫البلدة‪ ،‬إذ غالبا ما ُيطلق عليها‬   ‫لا شيء يشدني للعودة‪ ،‬ولا‬          ‫أتحدث معه» (ص‪.)374‬‬
    ‫النار لقتلها‪ ،‬ابتكر سعيد‪،‬‬        ‫شيء يشدني للبقاء‪ ،‬إنما‬         ‫الأمر الساخر وال َّدال أننا‬
                                   ‫هو شعور غامض يدفعني‬           ‫نسمع إسماعيل‪ ،‬لأول مرة‪،‬‬
  ‫زميل إسماعيل في الحجرة‪،‬‬        ‫للإمام‪ ،‬وشعور غامض آخر‬           ‫قرب نهاية الرواية‪ ،‬يفصح‬
 ‫«مصيدة جبارة» (ص‪)133‬‬              ‫يشدني للخلف‪ .‬مسافر أنا‬        ‫عن مشاعر العزلة الزمنية‪/‬‬
                                     ‫من مصر إلى تبوك الآن‪،‬‬           ‫الكونية» «الليل والنهار‬
   ‫تستخدم «طريقة وحشية‬               ‫وجئت منذ عشرين يو ًما‬            ‫ورجل بينهما‪ ،‬هو أنا»‬
     ‫مقززة» (ص‪ )133‬لقتل‬           ‫من تبوك إلى مصر‪ ،‬فمن أي‬         ‫(ص‪ .)359‬الرحلة التالية‪،‬‬
                                   ‫البلاد أنا؟ وفي أي بلد ثالث‬      ‫يقول إبراهيم عبد المجيد‬
   ‫الفئران التي تدخل المنزل‪.‬‬      ‫ولدت ونشأت؟ (ص‪.)297‬‬             ‫إنها ستزيد من غربته‪ ،‬كما‬
      ‫من ناحية أخرى‪ ،‬يأتي‬          ‫إن فقدان الهوية بالإضافة‬     ‫يستطيع القارئ استنتاج ذلك‬
                                     ‫إلى الانفصالات المتتالية‪،‬‬   ‫من الإعلان‪ ،‬الذي ألقي بلغة‬
 ‫ترحيل سعيد المفاجئ‪ ،‬الذي‬        ‫خلال مجرى الأحداث‪ ،‬تسلط‬        ‫أجنبية (الإنجليزية) بواسطة‬
    ‫حدث بسبب كذبة خبيثة‬            ‫الضوء على الشعور السائد‬            ‫كابتن الطائرة(‪( )11‬لقاء‬
                                 ‫بعدم الأمان في الرواية‪ .‬تبدو‬
  ‫من أحد تلاميذه‪ ،‬في مقابل‬            ‫مشاعر الشك والخوف‪،‬‬                           ‫خاص)‪.‬‬
  ‫غض مدير الشركة الطرف‬            ‫التي تهيمن على عالم تبوك‪،‬‬          ‫يأتي موت أم إسماعيل‬
  ‫عن حقيقة أن لاري‪ ،‬وكيل‬         ‫واضحة في تصريح إسماعيل‬              ‫‪-‬التي ترمز إلى وطنه‪-‬‬
‫الأعمال الأمريكي‪ ،‬يفر بمبلغ‬          ‫بأن حتى الهواء يترصد‬          ‫دا ًّل على الانقطاع النهائي‬
 ‫كبير من أموال الشركة‪ .‬كما‬         ‫الفرد‪« .‬بلد ينقل فيه الهواء‬
‫يسلط العنف الوحشي‪ ،‬الذي‬
 ‫عومل به نبيل‪ ،‬بعد اكتشاف‬
  ‫سرقته‪ ،‬الضوء على قضية‬
‫الظلم‪ ،‬التي ُتختم بها الرواية‪.‬‬
 ‫إن شعور إسماعيل المضمر‬
   146   147   148   149   150   151   152   153   154   155   156