Page 152 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 152

‫«مجنون» لن «يهدئ من‬                                      ‫العـدد ‪37‬‬                           ‫‪150‬‬
‫سرعة السيارة‪ ،‬صار يضحك‬
 ‫بهستيرية‪ ،‬يهذي» (ص‪.)65‬‬                                                       ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬         ‫بعدم الأمن يتجلى في‬
                                                                                               ‫كوابيسه المزعجة‪ ،‬التي‬
       ‫تتكرر نوبات الجنون‬        ‫إن شعور إسماعيل‬                                            ‫يهيمن عليها‪ ،‬بنحو رمزي‪،‬‬
    ‫والهيستريا باستمرار في‬           ‫بالاغتراب‪ ،‬بأية‬                                         ‫اللونين الأحمر والأسود‪.‬‬
 ‫الفصول الثلاثة التي تجري‬             ‫حال‪ ،‬لا يخفت‬                                          ‫في الحلم الأول يرى جدا ًرا‬
‫أحداثها في المستشفى‪ .‬يصف‬            ‫بمرور الوقت‪ ،‬إذ‬                                           ‫أسو َد عاليًا من البازلت‪،‬‬
   ‫إسماعيل عالم المستشفى‪،‬‬            ‫يتواصل تذكير‬                                           ‫وأربعة رجال سود بعيون‬
   ‫التي دخلها لإجراء عملية‪،‬‬          ‫القارئ بمشاعر‬                                            ‫جاحظة‪ ،‬كتمثيل للسجن‬
    ‫إثر ألم مفاجئ في الزائدة‬                                                                   ‫وح َّراسه‪ .‬وحتى حينما‬
    ‫الدودية‪« ،‬وكأنني دخلت‬          ‫الغربة لديه‪ ،‬في‬                                          ‫يستيقظ فإنه يدرك أنه «في‬
   ‫من باب أفضى إلى جحيم‬               ‫نهاية الرواية‬                                       ‫حجرة صغيرة ضيقة في بلد‬
  ‫لا خروج منه» (ص‪.)225‬‬                ‫كما كان الأمر‬                                          ‫بعيد» (ص‪ )19‬المزج بين‬
   ‫تزداد حدة التوتر إلى أعلى‬                                                               ‫الواقع والكوابيس يستدعي‬
     ‫درجاتها عندما تعم آثار‬         ‫في أولها‪ .‬وقبل‬                                        ‫نفس «نذر الشر العامة‪ ،‬التي‬
  ‫الفوضى والصياح بد ًل من‬            ‫مغادرته بقليل‬                                        ‫تتحول إلى هلوسات بصرية‪،‬‬
    ‫النظام المفترض حصوله‬         ‫يقول إسماعيل إن‬                                             ‫ثم إلى كوابيس» (‪Leavis‬‬
                                 ‫العواصف الترابية‬                                              ‫‪ )95: 1962‬في سطور‬
       ‫و»الهدوء» المتوقع في‬        ‫التي تميز الحياة‬
    ‫المستشفى‪ .‬يشهد القارئ‬           ‫في تبوك‪ ،‬وهي‬                                                  ‫القصيدة التي فيها‪:‬‬
                                     ‫ال َعج "يثور كل‬                                      ‫« َمن الثالث الذي يسير دو ًما‬
      ‫رجا ًل يزعقون‪« ،‬أقدام‬           ‫وقت صار ًخا أن‬
    ‫مسرعة تدب في الطرقة»‬            ‫البلاد غير البلاد"‬                                                    ‫إلى جانبك؟‬
                                                                                          ‫كلما أع ُّد ليس إلا َك وأنا م ًعا‬
        ‫(ص‪ ،)212‬وزغاريد‬                    ‫مالك حداد‬                                       ‫ولكن عندما أص َّعد الطرف‬
   ‫نساء‪ ،‬وأشياء تقع‪ ،‬وعواء‬
                                                                                                 ‫نحو الطريق الأبيض‬
       ‫وصرخات‪ ،‬و»صراخ‬                                                                      ‫ثمة دو ًما واحد آخر يسير‬
‫جنوني» (ص‪ ،)219‬يصاحب‬                                                                         ‫إلى جانبك» (سطر ‪-360‬‬

     ‫ذلك اكتشاف البعض أن‬                                                                                      ‫‪)363‬‬
  ‫شخ ًصا ما صار «مجنو ًنا»‬                                                                     ‫ترتبط الموتيفة المتكررة‬
 ‫(ص‪ .)216 -215‬حالة بعد‬                                                                           ‫للجنون‪ ،‬والهيستريا‪،‬‬
  ‫أخرى تكشف عن أشخاص‬                                                                      ‫والهلوسة في الرواية بالمشاق‬
   ‫نالهم التعذيب‪ ،‬فأدى بهم‬                                                                   ‫والمعاناة‪ .‬يلاقي إسماعيل‬
 ‫إلى حالات هيستيرية‪ ،‬أو إلى‬                                                                    ‫أولى دلائل الجنون عند‬
   ‫الجنون‪ .‬بهذا المعنى‪ ،‬تمثل‬                                                                ‫وصوله‪ ،‬ممثلة في السرعة‬
                                                                                              ‫المروعة التي يقود الناس‬
     ‫المستشفى عالمًا مص َّغ ًرا‬                                                             ‫بها سياراتهم‪ .‬يقود منذر‪،‬‬
‫للقسوة غير الرحيمة وجنون‬                                                                      ‫زميل فلسطيني‪ ،‬بجنون‬
                                                                                            ‫عبر العاصفة الترابية التي‬
  ‫العالم الخارجي‪ .‬يدل تذكر‬                                                                 ‫تحجب الرؤية‪ ،‬فيما تكشف‬
       ‫إسماعيل لجنون آمال‬                                                                  ‫أفكار إسماعيل عن قلقه من‬
                                                                                           ‫ركوب السيارة مع شخص‬
    ‫وموتها‪ ،‬في هذه اللحظة‪،‬‬
 ‫على أن الجنون انتشر خارج‬

     ‫عالم تبوك‪ ،‬إلى بلده هو‪.‬‬
   147   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157