Page 174 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 174

‫العـدد ‪37‬‬                             ‫‪172‬‬

                                    ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬                        ‫شاطئ أو مبنى أو تمثال‪،‬‬
                                                                     ‫أخذ يسرد ذكرياته عن هذا‬
 ‫ماذا سيحدث؟»(‪ .)14‬ثم يعدد‬              ‫«خصائص فنية» تربطها‬         ‫الأثر‪ ،‬كأنه يح ّدث نفسه‪ ،‬أو‬
  ‫أصدقاءه الذين رحلوا «كم‬              ‫بـ»نوع» ‪ Genre‬الرسائل‬       ‫يحدث مستمعين افتراضيين‪،‬‬
‫من دموع نزف ُت»‪ .‬إن الخطاب‬                                         ‫ثم تتحرك السيارة إلى شارع‬
   ‫ليس موجها لأي أديب أو‬                ‫الأدبية‪ ،‬إذا كانت كذلك؟‬      ‫آخر‪ ،‬أو حي آخر‪ ،‬ويستمر‬
   ‫كاتب مصري أو عربي أو‬                  ‫إن التفسير الذي نجتهد‬
  ‫أجنبي‪ ،‬بل هو خطاب لقراء‬              ‫لتقديمه عن تسمية النص‬              ‫السارد في تتبع معالم‬
                                      ‫وتصنيفه‪ ،‬يتعلق بالظروف‬        ‫الشارع الجديد‪ ،‬إلى أن فرغ‬
     ‫إبراهيم عبد المجيد‪ ،‬وإلى‬         ‫المحيطة بإنتاج النص‪ ،‬فلقد‬
  ‫متابعيه ومحبيه على تويتر‬           ‫م ّر الكاتب بظروف مرضية‬                        ‫من مهمته‪.‬‬
‫وفيس بوك‪ ،‬يضاف لهم قراء‬               ‫وظروف نفسية ناتجة عن‬                ‫فزمن القصة هو تلك‬
 ‫جريدة «النهار العربي» التي‬         ‫معاناته من ضمور العضلات‬              ‫الساعات التي تحركت‬
                                         ‫وعجزه عن الحركة‪ ،‬ثم‬          ‫فيها السيارة بين شوارع‬
              ‫نشرت النص‪.‬‬                 ‫تبين له أن العلاج الذي‬       ‫الإسكندرية‪ ،‬خلال يومين‬
  ‫هاجس الموت يطار الكاتب‪،‬‬              ‫سار في طريقه لم يكن في‬        ‫أو ثلاثة‪ ،‬في صيف ‪،٢٠٢١‬‬
  ‫وهو في زمن خصب‪ ،‬أعطى‬                  ‫الاتجاه الصحيح‪ ،‬فشعر‬         ‫أما زمن الخطاب فهو زمن‬
‫فيه روايات ومقالات غزيرة‪،‬‬                                          ‫سابق يبدأ من طفولة السارد‬
   ‫حتى أنه حينما انتهى من‬                  ‫بالخطر الداهم يطارد‬        ‫في بداية خمسينيات القرن‬
 ‫رواية «السايكلوب»(‪ )15‬وهو‬            ‫حياته‪ ،‬وهو الذي عانى من‬       ‫العشرين‪ ،‬وحتى اليوم شهر‬
                                                                       ‫يونيو ‪ ،٢٠٢١‬لكن السرد‬
     ‫في الثانية والسبعين من‬            ‫فقدان أصدقاء أعزاء مثل‬      ‫هنا ليس تخييليًّا‪ ،‬بل واقعي‪،‬‬
   ‫عمره‪ ،‬اتجه لترجمة كتاب‬             ‫«سعيد الكفراوي»(‪ )12‬ومن‬        ‫أشبه بسرد السيرة الذاتية‬
     ‫‪Lady Duff Gordon’s‬‬                ‫بعده «الدكتور شاكر عبد‬        ‫والمذكرات‪ ،‬وأدب الرحلات‪،‬‬
                                                                   ‫فلماذا أطلق الكاتب على نصه‬
     ‫‪Letters From Egypt‬‬                             ‫الحميد»(‪.)13‬‬   ‫تسمية «رسائل»؟ ولماذا وجه‬
 ‫ترجمه تحت عنوان «رسائل‬                 ‫يقول الكاتب في الرسالة‬     ‫تلك الرسائل إلى جهة مج ّهلة‬
  ‫من مصر»(‪ )16‬فأخرجه عام‬              ‫الثالثة «ألا أكتب لكم الآن؟‬
                                     ‫أبتسم وأنا أرى نفسي غير‬                     ‫هي «لا أحد»؟‬
    ‫‪ ،٢٠١٩‬ثم استأنف كتابة‬               ‫قادر على الحركة‪ ،‬وأقول‬         ‫يكتب إبراهيم عبد المجيد‬
   ‫الروايات‪ .‬إن ترجمة كتاب‬          ‫الحمد لله»‪ ،‬وفي موضع آخر‬            ‫جميع الأنواع السردية‪:‬‬
   ‫يتضمن رسائل أدبية‪ ،‬ولا‬               ‫من الرسالة الثالثة يقول‬        ‫القصة القصيرة‪ ،‬الرواية‬
    ‫سيما أنه يتضمن إنصا ًفا‬             ‫«لو حدث لي مكروه‪ ،‬فقد‬       ‫القصيرة‪ ،‬الرواية‪ ،‬المذكرات‪.‬‬
 ‫لمصر والمصريين‪ ،‬قد أرضى‬                 ‫قلت أقصى ما أستطيع‪،‬‬            ‫ويكتب أي ًضا المسرحية‪،‬‬
                                         ‫تذكرت الماضي حتى لا‬
      ‫عاطفة الحنين للماضي‬                 ‫يموت‪ ،‬أشهدكم أني لم‬             ‫وكذلك أدب الرحلات‪،‬‬
    ‫لدى الكاتب‪ ،‬وربما بقيت‬               ‫أق ّصر ولم أتواطأ»‪ .‬وفي‬          ‫والمقال‪ ،‬واللمحة التي‬
   ‫في نفسه آثار ذلك الحنين‬           ‫الرسالة الخامسة كتب «عليَّ‬     ‫نسميها اليوم «منشور» على‬
   ‫لمصر القرن التاسع عشر‪،‬‬            ‫أن أرضى‪ ،‬وها أنا ذا را ٍض‪،‬‬      ‫«الفيس بوك» ‪Facebook‬‬
 ‫الذي أورث أهل الإسكندرية‬              ‫ما بقي لي في الحياة قليل‪.‬‬   ‫و»الواتساب» ‪ WhatsApp‬أو‬
  ‫ثرا ًء معمار ًّيا باذ ًخا‪ ،‬فهناك‬     ‫مات أبي في سن الخامسة‬       ‫تغريدة على «تويتر» ‪Twitter‬‬
                                      ‫والسبعين‪ ،‬وقبل أن يموت‬       ‫‪ .‬لقد اختار الكاتب لهذا النص‬
      ‫رابطة لا شك فيها بين‬           ‫قال لي إن جدي مات في هذا‬         ‫تسمية رسائل‪ ،‬فهل هناك‬
 ‫رسائل لوسي (ليدي دوف)‬               ‫العمر‪ ،‬وها أنا ذا أقترب من‬
  ‫جوردون‪ ،‬ورسائل إبراهيم‬            ‫الخامسة والسبعين‪ ،‬أضحك‪،‬‬

    ‫عبد المجيد‪ ،‬الأصالة التي‬
    ‫ورثناها لا يجب التفريط‬
    ‫فيها‪ ،‬وقد سجلت السيدة‬
   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178   179