Page 176 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 176

‫العـدد ‪37‬‬                                 ‫‪174‬‬

                                ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬                         ‫في الرسالة السادسة‪ ،‬يضحك‬
                                                                   ‫الكاتب من نفسه حين يتذكر‬
‫وتشغل أطعمة الطفولة شط ًرا‬           ‫التي صارت أغلى أنواع‬
   ‫عظي ًما من ذكريات الكاتب‬       ‫السمك الآن»‪ ،‬وفي الرسالة‬            ‫مشهدا من رواية «الصياد‬
                                 ‫الرابعة يذكر «الخبز والمش»‬            ‫واليمام» يترنح فيه بطل‬
‫في سياق سرده‪ ،‬الذي ينطلق‬          ‫الذي كان يباع في الطريق‪،‬‬              ‫الرواية أمام تمثال سعد‬
 ‫من المرور في الشوارع أمام‬
  ‫المطاعم والبارات‪ ،‬والأحياء‬        ‫ثم يذكر «السفن الحاملة‬          ‫زغلول‪ ،‬ويتخيل التمثال حيًّا‬
                                   ‫لقصب السكر القادمة من‬               ‫«ينحني على الإسكندرية‬
        ‫التي عاش فيها زمن‬         ‫الصعيد‪ ..‬كنت أحب مراكب‬
‫طفولته‪ ،‬وقد ذكر في الرسالة‬       ‫القصب لأن العمال يشيرون‬           ‫يحضنها ويحميها من المطر»‪،‬‬
‫الخامسة علب السالمون‪ ،‬التي‬      ‫إل َّي فأقترب ويعطونني قطعة‬         ‫ثم يخاطب نفسه قائ ًل «قلت‬
‫أصبحت في زمن عبد الناصر‬            ‫طويلة أمشي أمص فيها»‪.‬‬
                                                                        ‫لنفسي يا إبراهيم سعد‬
   ‫إنتا ًجا مصر ًّيا‪ ،‬وظل يطلق‬       ‫لكن هذه الذكريات تجر‬             ‫زغلول لم يلتفت في مكانه‬
  ‫عليه سمك السالمون‪ ،‬برغم‬                ‫الكاتب إلى البارات‪،‬‬       ‫ولا يستطيع‪ ،‬القصص أوهام‬
  ‫أنه من أنواع أخرى محلية‪.‬‬               ‫التي كانت سمة من‬            ‫وليست حقائق»‪ .‬لقد َس َّرب‬
   ‫لكن أكثر ما يأسر الكاتب‬               ‫سمات الإسكندرية‬              ‫الكاتب هنا معنى يريد أن‬
  ‫هو رائحة هواء البحر‪ ،‬ففي‬                                             ‫يوصله لقرائه‪ ،‬فحواه لا‬
‫الرسالة السادسة «لا يهمني‬       ‫الكوزموبوليتانية‪ ،‬وهي جزء‬             ‫تتوهموا أن القصص التي‬
  ‫من الإسكندرية غير هوائها‬          ‫من تاريخ المدينة فيقول‪:‬‬           ‫أكتبها هي حقائق وتاريخ‬
 ‫وأصدقائي‪ ،‬رحل الكثير من‬              ‫«البارات التي من بينها‬           ‫موثق‪ ،‬حتى لو استمدها‬
   ‫الأصدقاء فبقي لي الهواء‪،‬‬                                          ‫الكاتب من وقائع وذكريات‬
                                   ‫البار الذي َق َتل فيه المالطي‬
    ‫وهو أمر مختلف عن كل‬              ‫الس ّكير سائ َق الحنطور‬                         ‫جرت له‪.‬‬
   ‫هواء عشته‪ ،‬في كل البلاد‪،‬‬
                                 ‫سيد العجان‪ ،‬فقامت المعارك‬            ‫الحنين (الطعم‬
       ‫مؤكد لأنها موطني»‪.‬‬           ‫بين المصريين والأجانب‪،‬‬               ‫والرائحة)‬
  ‫في الرسالة السادسة يذكر‬
                                 ‫فدخل الإنجليز مصر»‪ ،‬وفي‬                 ‫يشغل موضوع الطعم‬
       ‫الكاتب عدة كتب ألفت‬           ‫الرسالة الخامسة يذكر‬              ‫والرائحة‪ ،‬حي ًزا كبي ًرا من‬
 ‫بالإنجليزية عن الإسكندرية‬          ‫الكاتب الأرمن وإدخالهم‬             ‫سرد الكاتب‪ ،‬فهناك باعة‬
‫الكوزموبوليتانية‪ ،‬منها كتاب‬                                          ‫السمك والصيادون‪ ،‬وهناك‬
                                ‫صناعة «ال َب ْس ِط ْر َمة» في مصر‬     ‫المطاعم الراقية والشعبية‪،‬‬
     ‫الدكتورة سحر حمودة‬           ‫«وكانت لها حلاوة ربما لا‬           ‫أولها مطعم «زفير» الشهير‬
‫والدكتور محمد عوض «طعم‬             ‫تزال في فمي»‪ ،‬وتستدعي‬              ‫الذي كان يأتيه يو ًما الملك‬
                                     ‫المأكولات عادة مصرية‬             ‫والباشوات‪ ،‬ومطعم «سي‬
   ‫الاسكندرية‪ ،‬نكهة عالمية»‬      ‫أصيلة‪ ،‬هي شراء ال ُّن ْقل قبل‬        ‫جل» كما ورد في الرسالة‬
     ‫وهو موضوع قد خاض‬             ‫العيد الصغير (عيد الفطر)‬           ‫الثانية‪ ،‬وفي الرسالة الثالثة‬
  ‫فيه الكتاب الاستعماريون‪،‬‬       ‫«حين كان أبي يأتي إلى هنا‬         ‫يذكر من أطعمة زمن الطفولة‬
‫فوصفوا روائح العرب وص ًفا‬                                          ‫«محل سمك نأخذ منه رغيف‬
   ‫عنصر ًّيا‪ ،‬والعرب هم أهل‬      ‫(مينا البصل) لشراء ما كان‬          ‫تعابين بقرش صاغ‪ ،‬رغيف‬
  ‫البلد‪ ،‬وقد فنّد المؤرخ خالد‬       ‫يسمى ب»ال ُف ْت َرة»(‪ )18‬كل‬
    ‫فهمي كلامهم(‪ ،)19‬مقار ًنا‬      ‫هذا الحنين‪ ،‬فيرى الكاتب‬               ‫بلدي محشو بالثعابين‬
  ‫بين رؤيتهم ورؤية الكاتب‬          ‫أن «النوستالجيا لها طعم‬           ‫المطهوة في طاجن‪ .‬الثعابين‬
‫السكندري (إدوارد الخراط)‪،‬‬
  ‫وها هو إبراهيم عبد المجيد‬       ‫ورائحة‪ ،‬يأتيان معها حتى‬
     ‫ينضم إلى المدافعين عن‬      ‫لو نفضت الذكريات بيدك في‬
   ‫الإسكندرية‪ ،‬عن روائحها‬
                                   ‫الهواء‪ ،‬وتعمدت الانشغال‬
                                                     ‫عنها»‪.‬‬
   171   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181