Page 178 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 178

‫العـدد ‪37‬‬                               ‫‪176‬‬

                                ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬                          ‫الزحام المحيط بالميدان‪ ،‬ثم‬
                                                                     ‫يتساءل «كيف لا يترجل‬
 ‫وهكذا كانت رسالة الكاتب‪،‬‬        ‫إذا كان لا أحد يسمع؟ يقول‬            ‫(التمثال) ويلعن كل هذا‬
     ‫مزدوجة‪ ،‬رسالة لغوية‬          ‫الكاتب في الرسالة السابعة‬
                                   ‫«قرأ ُت كثي ًرا عما جري في‬    ‫الزحام من الباعة؟»‪ .‬إنه يعود‬
 ‫متماسكة وملتزمة‪ ،‬ورسالة‬        ‫الشواطئ‪ ،‬وكيف صارت غير‬            ‫للفكرة التي أنكرها من قبل‪،‬‬
     ‫سياسية ثقافية مؤثرة‬        ‫مفتوحة لأي أحد‪ ،‬فلا بد من‬         ‫حين تحدث عن تمثال سعد‬
                  ‫ومقدرة‪.‬‬        ‫دفع رسوم دخول‪ ،‬تصل في‬            ‫زغلول‪ ،‬فالسرد هنا كما هو‬
                                 ‫بعضها إلى خمسة وعشرين‬              ‫في الرواية‪ ،‬به من نفحات‬
   ‫ممكنات السرد‬                  ‫جنيها للفرد‪ ،‬هكذا تقريبًا تم‬      ‫الخيال ما يتداخل ويتماهى‬
                                 ‫استبعاد تسعين في المائة من‬             ‫مع الواقع‪ ،‬وهذه هي‬
  ‫في مدونة الرسائل‪ ،‬يقابلنا‬         ‫أهل الإسكندرية»‪ .‬الكاتب‬      ‫الخصيصة المائزة للنص‪ ،‬فلا‬
    ‫الكاتب وهو يحكي كأنه‬          ‫الذي كان يو ًما منخر ًطا في‬      ‫هو مقال ولا هو قصة‪ ،‬هو‬
     ‫‪-‬فع ًل‪ -‬يح ِّدث صدي ًقا‬       ‫الحزب الشيوعي‪ ،‬وع ّرض‬             ‫نمط متداخل من الكتابة‪.‬‬
     ‫حمي ًما‪ ،‬يشكو له حاله‪،‬‬                                        ‫إن الكاتب الملتزم كما يقول‬
                                    ‫نفسه لخطر الاعتقال‪ ،‬ثم‬           ‫سارتر «قد اختار لنفسه‬
  ‫ويتعزى عن آلامه بأسرته‬        ‫طلّق السياسة نهائيًّا‪ ،‬لا يزال‪،‬‬       ‫رسالة الكشف عن سر‬
   ‫وزوجه الحالية‪ ،‬ثم يتخذ‬        ‫في سن الخامسة والسبعين‪،‬‬          ‫الإنسان‪ ،‬لكي يتحمل الناس‬
    ‫من السيارة في حركتها‪،‬‬        ‫يرى رسالته في صلب عمله‪،‬‬           ‫بعد ذلك كل تبعة تنجم عما‬
 ‫قائ ًدا للسرد‪ ،‬السيارة تقود‬     ‫حتى لو كان يسرد ذكريات‪،‬‬           ‫يتخذون من مواقف‪ ،‬حيال‬
                                                                 ‫ما يجلو لهم من موضوعات‪،‬‬
     ‫خط السرد‪ ،‬في انتقالها‬            ‫ويسجل عاطفة الحنين‬             ‫جلاء لا مجال فيه لأدنى‬
   ‫خلال الشوارع والأحياء‪،‬‬        ‫لطفولته وصباه‪ .‬إنه يلخص‬             ‫غموض‪ ..‬وما دام الكاتب‬
 ‫أما المقاهي‪ ،‬والمطاعم‪ ،‬ودور‬    ‫كل ذلك مستخد ًما الاستعارة‬         ‫قد أخذ على نفسه أن يعمل‬
    ‫السينما‪ ،‬والمدارس‪ ،‬فهي‬      ‫«بيوت قديمة تهدم‪ ..‬من أجل‬           ‫عن طريق اللغة ‪ ،‬فليس له‬
‫العلامات التي تتوقف عندها‬        ‫البنايات العالية القبيحة التي‬    ‫بعد ذلك أن يتقاصر بمهمته‬
  ‫السيارة التي يقودها خالد‬       ‫لا علاقة لها بالبيئة والمكان‪،‬‬     ‫عن البيان»(‪ ،)25‬فكان الألم‪،‬‬
   ‫ابن زوجة الكاتب‪ ،‬وخالد‬                                             ‫ثم الغضب‪ ،‬هما علامتا‬
 ‫صامت تما ًما لا يتكلم أب ًدا‪،‬‬      ‫وتقف على الشاطئ كأنها‬         ‫الإحساس بمسؤولية الكاتب‬
  ‫هو موجود وغير موجود‪.‬‬          ‫رجال أمن يمنعون الهواء عن‬            ‫الملتزم خلال النص الذي‬
‫سوف يستبق الكاتب سرده‬                                                 ‫كتبه بعد الرحلة وسماه‬
   ‫بتلخيص للرحلة «الرحلة‬                           ‫المدينة»‪.‬‬                      ‫«رسائل»‪.‬‬
  ‫سوف تمر بكل ما عرفته‪،‬‬          ‫وفي الرسالة السابعة يحكي‬        ‫لكن لماذا يقول الكاتب الملتزم‬

      ‫في حياتي‪ :‬في طفولتي‬            ‫الكاتب المنتمي‪ ،‬والمثقف‬     ‫إن الرسائل هي إلى «لا أحد»؟‬
   ‫وشبابي‪ ،‬منذ كان طريق‬            ‫العضوي‪ ،‬كيف قاوم قطع‬               ‫إن القراءة المدققة لنص‬
  ‫الساحل خاليًا‪ ،‬ليس حوله‬
  ‫إلا أشجار التين‪ ،‬ثم بدأت‬           ‫شجرة عمرها مائة عام‪،‬‬          ‫مدونة «رسائل إلى لا أحد»‬
   ‫تغزوه البنايات»‪ ،‬ثم يبدأ‬        ‫حين كان يمر في منتصف‬           ‫تعطينا معنًى‪ ،‬وتفسي ًرا لهذا‬
 ‫الكاتب في الربط بين أحداث‬       ‫الليل‪ ،‬في منطقة وسط البلد‪،‬‬      ‫النفي‪ ،‬الذي ظهر مقرو ًنا بمن‬
‫حياته وبين رواياته‪ ،‬وقد بدأ‬      ‫ووجد قاطع الشجرة فشكاه‬          ‫يتوجه لهم الكاتب‪ ،‬كأن الأمر‬
   ‫من عند منطقة «العجمي»‬                                         ‫صار عبثيًّا‪ ،‬فمن تتحدث إليه‬
 ‫حيث كانت رواية «أداجيو»‬             ‫لضابطين كانا في ميدان‬
‫أكثر الروايات تصوي ًرا لتلك‬         ‫التحرير وقتها‪ ،‬وقد نجح‬
                                   ‫في مسعاه وحرر محض ًرا‬
                   ‫المنطقة‪.‬‬       ‫لصاحب المحل الذي حرض‬

                                       ‫قاطع الشجرة‪ ،‬فتكبد‬
                                    ‫غرامة بثلاثة آلاف جنيه‪.‬‬
   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183