Page 184 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 184

‫العـدد ‪37‬‬                             ‫‪182‬‬

                                ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬                     ‫إقناع القارئ بواقعية الأحداث‬
                                                                ‫المسرودة‪ ،‬ومعايشته الكاملة‬
     ‫القاهرة للمرة الأولى‪ ،‬ثم‬        ‫الكاتب إلى حقبة الحرب‬     ‫لأحداث تلك الحقبة التاريخية‬
   ‫انتحار رئيس وزراء المجر‬          ‫العالمية الثانية وعمل على‬    ‫الهامة في تاريخ مصر‪ ،‬وقد‬
‫وأزمة تأخر شحن الغلال من‬          ‫رصد التحولات والتفاعلات‬       ‫اعتمد على سرد تلك الحقائق‬
‫الأرياف إلى المطاحن‪ .‬وانتها ًء‬                                   ‫التاريخية على مجموعة من‬
   ‫بقرار أمريكا بناء أربعمائة‬          ‫ما بين البشر بعضهم‬       ‫المكونات السردية‪ ،‬تمثلت في‪:‬‬
    ‫بارجة وتسعمائة سفينة‬              ‫البعض‪ ،‬وما بين البشر‬
    ‫وعدد هائل من الطائرات‬       ‫ممثلين في شخصيات الرواية‬              ‫أو ًل‪ :‬التراتب الزمني‪.‬‬
                                  ‫والمدينة‪ ،‬وما بين مصر من‬             ‫ثانيًا‪ :‬المعالم المكانية‪.‬‬
           ‫تمول به الحلفاء‪.‬‬     ‫خلال الإسكندرية والعالم من‬          ‫ثالثًا‪ :‬الوقائع التاريخية‪.‬‬
      ‫وعبر هذا التأريخ يقدم‬     ‫خلال الحرب‪ .‬حيث عمل عبد‬              ‫راب ًعا‪ :‬الملمح التاريخي‬
 ‫الكاتب توثي ًقا لأخبار الحرب‬    ‫المجيد على التقصي والتأريخ‬
     ‫وتطورها حتى وصولها‬            ‫في قالب سردي أدبي لكل‬                     ‫للشخصية(‪.)2‬‬
   ‫واقترابها من الإسكندرية‪،‬‬     ‫التفصيلات الزمانية والمكانية‬    ‫هنا يثور التساؤل الرئيسي؛‬
    ‫كذلك انعكاسات تداعيات‬       ‫المرتبطة بزمن الحكاية‪ ،‬فاهتم‬    ‫حول إمكانية اعتبار «لا أحد‬
      ‫الحرب عالميًّا على مصر‬         ‫بالتوثيق التاريخي الذي‬      ‫ينام في الإسكندرية “رواية‬
                                    ‫يحيل إلى مرجعية واقعية‬
        ‫والإسكندرية داخليًّا‪.‬‬     ‫ترتبط بزمن الحرب العالمية‬                      ‫تاريخية؟‬
  ‫وعلى مستوى المكان‪ :‬تحتل‬           ‫وما نتج عنها من أحداث‬        ‫وإذا كان ويلاحظ أن عنوان‬
 ‫الأمكنة مكانة وأهمية خاصة‬         ‫انتهت بدخول الإسكندرية‬        ‫الراوية لا يحيل إلى التاريخ‬
                                 ‫فيها‪ .‬ولعل هذا ما يفسر سر‬
     ‫لدى إبراهيم عبد المجيد؛‬      ‫العناية الشديدة بتأريخ كل‬         ‫بقدر ما يشير إلى المكان‬
  ‫حيث يقدم لنا الكاتب مدينة‬     ‫ما يمت لها بصلة‪ ،‬إضافة إلى‬     ‫والمتخيل‪ ،‬لكن اهتمام الروائي‬
‫الإسكندرية بوصفها نموذ ًجا‬        ‫تأريخ أحداث الحرب وتتبع‬       ‫بالتاريخ‪ ،‬واتكاءه على أحداث‬
   ‫مصغ ًرا للعالم عبر تنوعها‬     ‫تفصيلاتها وتفاعلاتها‪ ،‬فقدم‬
                                    ‫لنا في كل قسم وجزء من‬        ‫الحرب العالمية الثانية يقدم‬
     ‫الديني‪ ،‬باعتبارها خلي ًطا‬   ‫الرواية تأريخيًا غير تقليدي‬    ‫دلي ًل وسن ًدا قو ًّيا للربط بين‬
 ‫من جنسيات متعددة تعكس‬          ‫وغير منظم على نحو روتيني‬
                                 ‫حتى لا يهرب القارئ‬                ‫هذا العمل وبين التاريخ‪،‬‬
      ‫ثقافات مختلفة‪ ،‬وأي ًضا‬         ‫ويصيبه الملل(‪.)3‬‬          ‫فزمن الرواية هو زمن الحرب‬
    ‫طبقات مختلفة‪ .‬بما يقدم‬      ‫على سبيل المثال وليس‬
‫وص ًفا لواقع المجتمع المصري‬         ‫الحصر؛ في الجزء‬              ‫العالمية الثانية‪ ،‬حيث استند‬
 ‫في تلك الحقبة‪ ،‬حيث يستعيد‬       ‫العشرين من الرواية‬
‫المؤلف مدينة الإسكندرية عبر‬          ‫يقدم لنا إبراهيم‬
  ‫عرض ملامحها من الناحية‬           ‫عبد المجيد تأريخيًا‬
                                  ‫شام ًل‪ ،‬لكنه في ذات‬
      ‫المعمارية والاجتماعية‪،‬‬     ‫الوقت موج ًزا لوقائع‬
    ‫فهي مدينة عالمية جمعت‬           ‫الحرب‪ ،‬بداية من‬
   ‫ثقافات الشعوب المطلة على‬        ‫تحالف بلغاريا مع‬
     ‫البحر المتوسط وتفاعلت‬      ‫ألمانيا‪ ،‬مرو ًرا بوصول‬
  ‫معها‪ ،‬وفي نفس الوقت قدم‬         ‫الجنرال ديجول إلى‬
   ‫توصي ًفا للواقع الاجتماعي‬
‫والسياسي المصري من خلال‬

             ‫الإسكندرية(‪.)4‬‬
       ‫هنا تبدو الإسكندرية‬
    ‫رم ًزا مكانيًّا حيث النطاق‬
   179   180   181   182   183   184   185   186   187   188   189