Page 189 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 189
187 الملف الثقـافي
وقد تنبه نقدنا العربي اعتنى النقد العربي في رواية “البلدة الأخرى” لإبراهيم عبد المجيد
القديم إلى ذلك ،فوقف عند سرديّة المنطوقات الأدائيّة
اللفظ والمعنى وعلاقة كل المعاصر بدراسة المنجزات د.نادية هناوي
واحد منهما بالآخر ،وحاول القصصية والروائية لأجيال
توصيف الفاعلية البلاغية (العراق)
للأدب وطرائق نظم الشعر تلت جيل الرواد ،ومن
وصوغه ،والتي على وفقها بينها منجز الكاتب إبراهيم
يتم انتقاء مفردات يتحقق
عبد المجيد الذي ُفحصت
فيها الانجاز اللساني مسيرته السردية المقاربة
المطلوب ،في الإبانة عن جمال لخمسة عقود و ُش ّخصت
فيها مسائل كثيرة .بعض
الذوق وجودته والإفصاح
عما في الذهن من مقاصد، هذه المسائل فني يتعلق
بدراسة الشخصية وبنائها
وعن ذلك قال الجاحظ:
“إنك لا تستطيع العبارة والزمان وتركيبه والمكان
عن حاجاتك والإبانة عن وأبعاده والمنظور وصيرورته
مآربك إلا باللسان ،وهذا في والحوار وتكنيكاته وبعضها
العاجل والآجل مع أشياء
كثيرة لو ينحوها الإنسان الآخر موضوعي يتعلق
لوجدها في العقول موجودة بالإنسان والوطن والهوية
وفي المحصول معلومة وعند
الحقائق مشتهرة وفي التدبير والواقع والمرأة.
وما زال هناك كثير مما
ظاهرة”(.)1 يمكن للنقد العربي أن يقف
والجاحظ كثير التنبيه إلى ما عنده في منجز إبراهيم عبد
في المأثور العربي من نماذج المجيد ويسبر أغوار رواياته
لسانية ناصعة وأمثلة دامغة ومجموعاته القصصية؛
ُتربي الذائقة و ُتق ِّو ُم اللسان وسنقف في هذا البحث
عند لمحة لسانية تميزت
و ُتن ِّمي السليقة وتشحذ بها رواياته ،تلك هي لمحة
المخيلة بالإفادة مما في اللغة المنطوق الأدائي وتداوله في
من طاقة جمالية وأدائية الكتابة السردية.
قولية ،لا يكتشفها إلا من ولا خلاف في أن نجاح
وهبه الله ملكة أدبية أصيلة، الفاعلية الكتابية -أ ًيا كانت
ومتّعه بكفاءة لغوية في شكل هذه الكتابة أدبية أو علمية-
سليقة سليمة فيها يستعمل يتوقف حت ًما على الكاتب
أفضل ما جاد به اللسان ومدى إتقانه اللغوي الذي
يم ِّكنه من وضع المفردات
العربي. في المكان الذي يناسب
ولأهمية الكلام وضرورة إنجازيتها ،وهو ما يتطلب
إجادة التحدث بملفوظاته، إمكانيات لسانية وخبرة
أطلقت العرب لفظ (الفلسفة) تداولية في هذه الإنجازية
على كل كلام يتقن التفكر وكيفيات توصيل الأفكار
وتبليغ الرسائل.