Page 187 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 187

‫‪185‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫صالح جواد الطعمة‬               ‫نجيب محفوظ‬                         ‫والمسرحيات المختلفة‪ .‬مما‬
                                                                  ‫يمثل التحفيز الواقعي هنا‬
 ‫ويشكل معه حلقة تستوعب‬               ‫المصرية‪ :‬إدوار الخراط‬     ‫ذكر البطل‪ /‬السارد التواريخ‬
  ‫النص كله»‪ .‬فالأمم لا تزال‬        ‫نموذ ًجا» أن المبدأ الحاكم‬      ‫بالتحديد في كل الأحداث‪،‬‬
                               ‫لإبداعات الخراط الروائية هو‬       ‫بالإضافة إلى ذكر الأحداث‬
    ‫بحاجة إلى السرد لإثبات‬     ‫«الوحدة في ظل التعدد»‪ ،‬وهو‬          ‫التاريخية المهمة في حقبة‬
    ‫ذاتها ووجودها وترسيخ‬       ‫مبدأ تجريدي لمفهوم سياسي‬          ‫الحرب العالمية الثانية بداية‬
                                ‫اجتماعي‪ ،‬والمتمثل في مفهوم‬       ‫من وصف مشاعر هتلر في‬
      ‫جذور هويتها وثقافتها‬      ‫المواطنة‪ ،‬كمبدأ حاكم للرؤية‬      ‫مبنى المستشارية في برلين‬
      ‫في ظل تجاذب الثقافات‬           ‫الفكرية المترسخة حول‬       ‫والإرهاصات الأولى للحرب‪،‬‬
   ‫وصراع الحضارات‪ .‬حيث‬             ‫قضيتي الحرية والهوية»‪،‬‬          ‫ثم الانتقال لمجد الدين في‬
    ‫قدمت رواية «لا أحد ينام‬      ‫ونفس الأمر يتطابق ورؤى‬           ‫قريته واضطراره للخروج‬
     ‫في الإسكندرية» صورة‬        ‫إبراهيم عبد المجيد لإشكالية‬        ‫والتيه باعتباره ‪-‬البطل‪/‬‬
    ‫حية للمجتمع المصري في‬        ‫الهوية‪ ،‬حيث الجمع ما بين‬       ‫السارد‪ -‬واح ًدا ممن عايشوا‬
 ‫حقبة الحرب العالمية الثانية‪،‬‬    ‫سياقين متنوعين (المصري‬
 ‫تمثل الواقع وتعطي نموذ ًجا‬       ‫والعالمي) في رواية «لا أحد‬             ‫أيامها ولياليها(‪.)11‬‬
     ‫للعادات والتقاليد امتدت‬   ‫ينام في الإسكندرية»‪ ،‬يشكلان‬          ‫فإذا كان نجيب محفوظ‬
   ‫جذورها في أعماق التاريخ‬          ‫جز ًءا من جدارية‪ ‬الهوية‬        ‫قد خ َّط ملامح الشخصية‬
‫المصري‪ .‬لا يخفي على الراوية‬                                       ‫المصرية القديمة والحديثة‬
    ‫دور الشخصية في كشف‬                            ‫المصرية‪.‬‬       ‫في الرواية ورسم تفاصيلها‬
‫الهوية‪ ،‬وكذلك دور المكان في‬     ‫بناء على ما سبق يمكن القول‬       ‫المدهشة وظلالها الدالة بكل‬
  ‫تكوين حاضنة تنمو عبرها‬         ‫إن السرد مثل ركنًا أساسيًّا‬      ‫عبقرية الكاتب وحساسية‬
 ‫الشخصية‪ ،‬فكأنما المكان هنا‬                                       ‫المبدع وطاقته المذهلة‪ ،‬فإن‬
    ‫يلد النموذج ويرعاه دون‬        ‫للرواية بما فيها من حوار‬          ‫إبراهيم عبد المجيد وعبر‬
                                    ‫ووصف «يقابل الحكي‪،‬‬          ‫السرد الوصفي والذي يحتل‬
              ‫فصل بينهما‪.‬‬                                        ‫مساحة واسعة في الرواية‪،‬‬
                                                                 ‫قد أضاف بع ًدا آخر لملامح‬
                                                                ‫تلك الشخصية وهويتها؛ على‬
                                                                  ‫سبيل المثال التضامن بين‬
                                                                 ‫شخصيات الرواية المختلفة‬
                                                                 ‫في أعقاب الغارات وما ينتج‬
                                                               ‫عنها من تدمير وخراب‪ ،‬رغم‬
                                                                  ‫تنوعهم واختلاف عوالمهم‬
                                                               ‫ودياناتهم‪ ،‬يعطي ملم ًحا ها ًّما‬
                                                                ‫لقيمة التضامن والتوحد بين‬
                                                               ‫نسيج الشعب المصري خاصة‬

                                                                             ‫وقت الأزمات‪.‬‬
                                                                     ‫وهو ما يصفه الدكتور‬
                                                                   ‫محمود أحمد عبد الله في‬
                                                                  ‫كتابه «المواطنة في الرواية‬
   182   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192