Page 190 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 190

‫العـدد ‪37‬‬                              ‫‪188‬‬

                                  ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬                         ‫في النفس والوجود عار ًفا‬
                                                                     ‫صناعة الكلام‪ ،‬كما س ّمت‬
  ‫توظيف المنطوقات الأدائية‪،‬‬              ‫القارئ النص الأدبي‪.‬‬        ‫الفلاسفة متكلمين‪ ،‬وجعلت‬
     ‫مما سنمثل عليه برواية‬           ‫ولأن “العمل الأدبي حدث‬       ‫للقول فنو ًنا وللكلام أساليب‪،‬‬
    ‫(البلدة الأخرى) للروائي‬                                           ‫بعد أن تم تقعيد ضوابط‬
         ‫إبراهيم عبد المجيد‪.‬‬           ‫لغوي يطرح عالمًا خياليًّا‬    ‫التكلم كمفردات وصياغات‬
                                       ‫يشمل المتكلم والعوامل‬         ‫نحوية وصرفية وإعرابية‪،‬‬
‫واخترنا هذه الرواية لأسباب‬         ‫والأحداث والجمهور‪ ..‬الذي‬
     ‫مختلفة‪ ،‬أهمها أنها عيِّنة‬     ‫يتشكل من خلال تصميمات‬                ‫وتحددت أبنية الأفعال‬
     ‫مناسبة للفعل الإنجازي‬        ‫العمل حول ما يجب أن يكون‬            ‫وأنواع الأسماء والنعوت‬
    ‫السردي‪ ،‬وهي دليل جل ٌّي‬          ‫مشرو ًحا وما يفترض أن‬         ‫والمصادر‪ ،‬ووضعت معاجم‬
                                     ‫يعرفه الجمهور”(‪)3‬؛ يغدو‬        ‫في دلالات الألفاظ والمعاني‪،‬‬
‫على التداول اللساني وفاعلية‬       ‫أي نص أدبي نتاج صيرورة‬             ‫فض ًل عن الاعتناء بالبديع‬
   ‫توظيفه في الرواية العربية‬          ‫ذهنية اعتملت في دواخل‬        ‫والبيان حتى صار “أوضح‬
  ‫المعاصرة‪ ،‬التي فيها يتقدم‬             ‫الأديب فانصهرت فيها‬         ‫ما يعد في المحصول للعرب‬
      ‫إبراهيم عبد المجيد على‬          ‫مرجعياته كلها‪ ،‬وتخلَّقت‬     ‫من الفضل فصاحتها وحسن‬
    ‫مجايليه ليكون في طليعة‬              ‫فيها مختلف التداعيات‬
    ‫الروائيين العرب المهتمين‬            ‫والإسقاطات وتسربت‬                         ‫منطقها”(‪.)2‬‬
                                      ‫إليها مستويات شتى من‬           ‫والكاتب العربي اليوم هو‬
 ‫بالمنطوقات الأدائية وكيفيات‬           ‫التناصات التي تتمظهر‬          ‫أحوج ما يكون إلى امتلاك‬
 ‫توظيفها سيميائيًّا وسرد ًّيا‪.‬‬        ‫كانعكاس ذاتي للتداولية‬         ‫المرجعية اللغوية بالروافد‬
                                     ‫الأدبية‪،Self Reflexivity‬‬
    ‫أو ًل‪ :‬سيمائية‬                      ‫وكصيرورة قولية هي‬               ‫الثلاثة‪ :‬الموهبة الأدبية‬
  ‫المنطوقات الأدائية‬               ‫حصيلة عمليات ذهنية عدة‪.‬‬           ‫والكفاءة اللغوية والمداومة‬
                                    ‫ولا مفر لمن يسعى إلى عالم‬       ‫القرائية‪ ،‬متمكنًا من التعبير‬
   ‫تعني اللغة الأدائية القدرة‬          ‫الكتابة الأدبية ‪-‬شاع ًرا‬    ‫بأسلوب راق يختار فيه من‬
 ‫على توصيل المعنى بتأثيرات‬              ‫كان أم سار ًدا‪ -‬من أن‬        ‫الكلام أحلاه ومن التعبير‬
 ‫قولية تجعل الملفوظ الكلامي‬         ‫يكون واعيًا لمقتضيات هذه‬
                                  ‫الصيرورة‪ ،‬عار ًفا أثر الإنجاز‬         ‫أجوده ومن الصياغات‬
   ‫مؤد ًيا غايته‪ ،‬التي عادة ما‬        ‫اللغوي في تداول الإبداع‬                        ‫أسماها‪.‬‬
   ‫تكون أدبية‪ ،‬وبما يتناسب‬            ‫وشيوعه بين القراء‪ .‬ولا‬
 ‫وطبيعة الذات الساردة أو ًل‪،‬‬       ‫سبيل لجعل الإبداع متداو ًل‬         ‫والأدب هو أكثر الميادين‬
‫وما يجري داخل الشخصيات‬               ‫قرائيًّا سوى بإعادة إنتاج‬     ‫تما ًّسا مع اللغة‪ ،‬وفيه تختبر‬
 ‫من اعتمالات شعورية آخ ًرا‪.‬‬         ‫الإنجازية القولية من جديد‬
                                   ‫بطريقة خاصة‪ ،‬فيها تتحدد‬             ‫أهلية الفرد على الإنشاء‬
     ‫وإذا كانت اللغة الأدائية‬     ‫براعة المنتِج‪ /‬الكاتب وجودة‬     ‫والتعبير‪ ،‬وما من أديب يدخل‬
  ‫تتجلى في التوصيل والتأثير‬              ‫المُن َتج‪ /‬النص الأدبي‪.‬‬
  ‫الجماليين‪ ،‬فإن وسيلتها في‬          ‫وإذا كان لزا ًما على الأديب‬   ‫عالم الأدب إلا حاز على قدر‬
  ‫تحقيق هذا التجلي تكمن في‬            ‫تحقيق أدائية إنجازية في‬      ‫معين من هذه الأهلية‪ ،‬عار ًفا‬
   ‫(المنطوق الأدائي) بوصفه‬         ‫نصه‪ ،‬فإن أيسر السبل التي‬       ‫مكمن التداول الأخاذ‪ ،‬ومتقنًا‬
   ‫ملفو ًظا لا يصور الفعل في‬           ‫عليه اتباعها كي يضمن‬       ‫بع ًضا من الأساليب اللسانية‬
‫قصدية إنجازه‪ ،‬ولكنه يؤديه‬              ‫لنصه النجاح هو إتقان‬
                                                                     ‫المتنوعة‪ ،‬وهدفه أن يجعل‬
             ‫عمليًّا بنا ًء على‪:‬‬                                      ‫أدبه طيِّ ًعا سلس ًل يجذب‬
    ‫‪ -1‬طبيعة كل مفردة من‬                                              ‫المتلقين بتلقائية وجمالية‬
     ‫المفردات وطريقة نظمها‬                                         ‫تدلل على نفسها بنفسها من‬
   ‫كجمل وتراكيب وعبارات‪.‬‬                                          ‫الوهلة الأولى التي فيها يتلقي‬
   185   186   187   188   189   190   191   192   193   194   195