Page 193 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 193

‫ليس أدل على لا أدرية إسماعيل‬                                     ‫يعزز فحوى ضيق الحال‪،‬‬
  ‫سوى هذه الجمل الاستفهامية‬                                       ‫واللاأدرية الذهنية‪ ،‬ضامنًا‬
 ‫التي تترى على لسانه وهو يسرد‬
                                                                     ‫لواقعية روايته أن تكون‬
     ‫وقائع شاهدها فزادته حيرة‪،‬‬                                  ‫استفزازية بمحمولات تتضاد‬
‫وجعلت حياته كلها مرهونة بحل‬
 ‫لغز كان يشعر أن عليه أن يحله‪.‬‬                                    ‫لتتفق‪ ،‬وتتفق لتتضاد بغية‬
                                                                   ‫الظفر بالحقيقة من خلال‪:‬‬
      ‫فتركزت أغلب تلك التساؤلات‬                                   ‫‪ -1‬الملفوظات الاسمية التي‬
     ‫حول الفتاة (واضحة) التلميذة‬                                  ‫اختيرت على فرضية قولية‬
 ‫التي ُفصلت من المدرسة ووصفت‬                                        ‫توحي بعكس ما تظهره‪،‬‬

                           ‫بالفاجرة‬                                   ‫فاسم الفتاة‪ /‬اللغز هو‬
                                                                     ‫(واضحة)‪ ،‬واسم البطل‬
    ‫بد ًءا من لحظة نزوله من‬        ‫ثان ًيا‪ :‬سردية‬                    ‫المغلوب الذي ما نجا من‬
                   ‫الطائرة‪.‬‬      ‫المنطوقات الأدائية‬             ‫قدره هو (إسماعيل)‪ ،‬وأسماء‬
                                                                   ‫الأصدقاء الأقرباء (سعيد‬
     ‫وتتمظهر ثيمة المصادفة‬       ‫إذا كانت اللغة تشكل العالم‬      ‫ووجيه وعابد ونبيل)‪ ،‬بينما‬
        ‫في منطوقات سردية‬        ‫بطرق معينة ومنها الطريقة‬            ‫هم كانوا الأعداء الغرباء‪.‬‬
                                                                 ‫‪ -2‬الملفوظات الوصفية التي‬
      ‫هي عبارة عن أدائيات‬            ‫السردية‪ ،‬فإن “نموذج‬          ‫انبنى اختيارها على فرضية‬
    ‫مشهدية وسلوكية‪ ،‬فيها‬          ‫الأدائية يقدم طر ًحا معق ًدا‬   ‫تخييلية فيها يجتمع واقعان؛‬
                                  ‫إلى حد كبير للقضايا التي‬        ‫الأول واقع يومي يتمثل في‬
      ‫شتى الصور المتضادة‬                                           ‫البلدة تبوك السعودية “لم‬
  ‫والمتداخلة‪ ،‬فالصداقة تلفها‬        ‫يتم التصريح بها مرا ًرا‬        ‫أعد أرى في الشارع نساء‬
  ‫العداوة‪ ،‬والأحلام تنتهكها‬     ‫بطريقة فجة‪ ،‬كما في الحدود‬       ‫أي نساء”(‪ ،)14‬والواقع الثاني‬
‫المخاوف‪ ،‬والمغامرات تحبطها‬                                         ‫افتراضي يتمثل في عيانية‬
‫الانتكاسات‪ ،‬والحياة يخاتلها‬      ‫غير الواضحة بين الحقيقة‬             ‫ما يراه إسماعيل يجري‬
                                ‫والخيال والمشكلة في الحدث‬        ‫ويتشكل أمامه‪ ،‬بينما لا يراه‬
      ‫الموت‪ ،‬ومسرات الحب‬                                          ‫غيره “هذا ح ًّقا زمن الكذب‬
‫تكتسحها اعتلالات الاغتراب‪.‬‬          ‫الأدبي‪ .‬والأدب بوصفه‬         ‫الجميل وأنا واحد من رجال‬
                                ‫فع ًل يمكن أن يقدم نموذ ًجا‬       ‫هذا الزمن”(‪ ،)15‬و”حية هي‬
    ‫ولا انفراج لهذا الاحتدام‬    ‫للتفكير في الأحداث الثقافية‬
       ‫السردي سوى بفرار‬        ‫على وجه العموم”(‪ .)18‬وتحفل‬                  ‫إذن لم تمت”(‪.)16‬‬
                                                                       ‫بهذين الأمرين تجلت‬
 ‫البطل هار ًبا من البلدة‪ ،‬لكن‬        ‫رواية (البلدة الأخرى)‬              ‫سيميائية المنطوقات‬
   ‫المصادفة تظل تفعل فعلها‬       ‫بالتباسات قولية تتأتى من‬         ‫الأدائية في الرواية كأسماء‬
  ‫معه أي ًضا‪ ،‬حتى إذا استقل‬                                         ‫وأوصاف‪ ،‬حتى كأن “ما‬
   ‫الطائرة‪ ،‬تكون المفاجأة في‬        ‫احتدامية السارد الذاتي‬         ‫نطلق عليه اللغة لم يكن في‬
                                  ‫بالواقع الجديد‪ ،‬وقد وجد‬          ‫أصله وغايته إلا لحظة أو‬
     ‫انتظاره وقد انفتح باب‬     ‫نفسه مصادفة في خضم تيار‬             ‫نم ًطا‪ ..‬ولم ينجح شيء في‬
 ‫الطائرة وصار هو المنفى لا‬        ‫جارف‪ ،‬مغام ًرا بلا دراية‪،‬‬       ‫العمل على نسيان ذلك”(‪.)17‬‬
‫المنجى‪ ،‬وثلاثة جنود يريدون‬
   188   189   190   191   192   193   194   195   196   197   198