Page 186 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 186

‫العـدد ‪37‬‬                               ‫‪184‬‬

                                ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬                          ‫بد أن نتفاعل ونحافظ على‬
                                                                  ‫أصالتنا‪ .‬إذا أردنا أن نصبح‬
     ‫كذلك التأكيد على ثوابت‬       ‫الأساسية للأدباء والكتاب‪،‬‬
    ‫الوحدة الوطنية من خلال‬          ‫ومصدر هام من مصادر‬                 ‫أدباء فرنسيين أو أدباء‬
                                                                  ‫أمريكيين فهم ليسوا بحاجة‬
      ‫سرد العلاقة بين بطلي‬      ‫الإبداع‪ ،‬من خلال استحضار‬            ‫إلينا‪ .‬أدباء أمريكا اللاتينية‬
   ‫الحكاية المسلم الشيخ مجد‬     ‫الماضي واستدعاؤه في قوالب‬
                                                                    ‫لم يقلدوا‪ .‬بل حافظوا على‬
     ‫الدين وصديقه المسيحي‬          ‫سردية وأدبية‪ ،‬تبرز أهمية‬        ‫روحهم وأصالتهم‪ ،‬ولكنهم‬
  ‫دميان‪ ،‬اللذين عايشا ويلات‬      ‫سرد التاريخ في أدب إبراهيم‬         ‫استطاعوا أن يتكلموا بلغة‬
                                                                 ‫العصر‪ ،‬ولغة العصر تتجاوز‬
      ‫الحرب على الإسكندرية‬            ‫عبد المجيد؛ كونه يتعلق‬     ‫حدود القومية‪ .‬من هنا تخرج‬
  ‫دون تصنيف أو تفرقة؛ فقد‬         ‫بالماضي التاريخي والتراثي‬         ‫أعمالهم بصورة مؤثرة في‬
                                 ‫للأمة العربية عامة والمصرية‬
    ‫شكلت صداقة مجد الدين‬          ‫على نحو خاص‪ ،‬وهو الأمر‬              ‫مختلف أنحاء العالم»(‪.)7‬‬
‫ودميان نقطة ارتكاز في نسيج‬       ‫الذي يتصل بالهوية المصرية‬           ‫وهو هنا يطرح لإشكالية‬
                                                                      ‫هامة تتعلق بدور الأدب‬
    ‫الرواية المسلم والمسيحي‪،‬‬        ‫اتصا ًل مباش ًرا معب ًرا عن‬    ‫والأديب في تأصيل الهوية‪،‬‬
    ‫منذ لقائهما صدفة عندما‬            ‫أصالتها وعراقتها‪ .‬ولا‬
    ‫أمسكت بهما الشرطة‪ ،‬ثم‬                                               ‫و ُتع ّر ُف ال ُهو ّية بأنها‬
   ‫تنشأ بينهما صداقة عميقة‬           ‫شك أن استدعاء الماضي‬         ‫«وصف للمكونات الإنسانية‬
   ‫يوم قتل البهى شقيق مجد‬             ‫وتوظيفه روائيًّا يرتكن‬
    ‫الدين‪ .‬كذلك يتتبع السرد‬       ‫لبراهين عدة تقترن بحاضر‬            ‫مجتمعة داخل الشخص‪،‬‬
‫مدى تطور هذه الصداقة التي‬            ‫الأمة ومستقبلها الفكري‬      ‫وهذه المكونات تشمل العقيدة‬
  ‫وصلت إلى حد التلاحم بين‬          ‫والاجتماعي والسياسي(‪.)9‬‬
 ‫الرجلين‪ ،‬ومن خلالها يعرف‬           ‫وهو ما أكد عليه إبراهيم‬          ‫والحالة الوجدانية والبعد‬
 ‫مجد الدين عادات المسيحيين‬       ‫عبد المجيد في روايته «لا أحد‬         ‫الثقافي والرصيد المعرفي‬
 ‫ومعتقداتهم‪ ،‬على النحو الذي‬        ‫ينام في الإسكندرية» حيث‬       ‫مجتمعين‪ ،‬لتحديد كيف تكون‬
    ‫يوضح مدى قوة الوحدة‬           ‫عمل على إبراز ثوابت وقيم‬         ‫ردود الأفعال أو الاستجابة‬
  ‫الوطنية التي أذابت الطائفية‬      ‫الهوية المصرية‪ ،‬والتي من‬         ‫للمؤثر الخارجي»‪ ،‬هذا من‬
   ‫وزاد منها ووطدتها تبعات‬        ‫أبرزها متوسطية مصر عبر‬             ‫الناحية الاجتماعية‪ .‬وجاء‬
    ‫الحرب العالمية‪ ،‬حيث قدم‬       ‫اختيار الإسكندرية لأحداث‬         ‫الاشتقاق اللُّغوي للمصطلح‬
    ‫الكاتب مدينة الإسكندرية‬        ‫الرواية بما تمثله من تنوع‬
                                ‫ديني وثقافي واجتماعي كأبرز‬              ‫من الضمير «هو»‪ ،‬أما‬
       ‫باعتبارها رمز تسامح‬       ‫مدن البحر المتوسط‪ .‬وهو ما‬          ‫اصطلا ًحا‪ ،‬ف ُتعر ُف ال ُهوية‬
                  ‫العالم(‪.)10‬‬     ‫يتضح من الصفحات الأولى‬          ‫بأنها «مجموعة من السمات‬
                                ‫والأسطر الأولى للرواية والتي‬     ‫والخصائص التي تضع الفرد‬
  ‫في السياق ذاته؛ ومن خلال‬        ‫اقتبسها الكاتب من لورانس‬       ‫في إطار يميزه عن الغير‪ ،‬وقد‬
      ‫الدمج ما بين الهويتين‬           ‫داريل في وصفه للبحر‬         ‫تكون هذه المُميّزات مشتركة‬
     ‫الواقعية والسردية‪ ،‬عمد‬       ‫المتوسط‪ ،‬حيث قال‪« :‬البحر‬        ‫بين جماعة من الناس سواء‬
                                  ‫المتوسط بحر صغير للغاية‬        ‫ضمن المجتمع‪ ،‬أو الّدولة”(‪.)8‬‬
 ‫الكاتب إلى التأكيد على الهوية‬    ‫‪-‬إن عظمته وامتداد تاريخه‬           ‫من خلال العلاقة ما بين‬
 ‫المصرية وإبرازها‪ ،‬حيث ربط‬        ‫يجعلنا نتخيله أكبر مما هو‬
                                ‫عليه الآن‪ -‬إلا أن الإسكندرية‬           ‫الرواية والتاريخ‪ ،‬وهي‬
    ‫النص بين أحداثه المتخيلة‬         ‫لا يقل واقعها عما يمكن‬          ‫العلاقة وطيدة الصلة منذ‬
 ‫وأحداث فترة تاريخية مهمة‬                                        ‫نشأة الرواية كفن أدبي‪ ،‬حيث‬
  ‫في مصر‪ ،‬كما تعمد السارد‬                      ‫تخيله عنها»‪.‬‬        ‫أعتد بالتاريخ كأحد الروافد‬
   ‫ذكر الأماكن والشخصيات‬

        ‫الحقيقية‪ ،‬بل وأسماء‬
  ‫الأغاني والأفلام والروايات‬
   181   182   183   184   185   186   187   188   189   190   191