Page 228 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 228

‫العـدد ‪37‬‬          ‫‪226‬‬

                                                              ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬       ‫أو التهميش‪ ،‬وفي رواية‬
                                                                              ‫«المسافات» كانت العلاقة‬
    ‫«شامخة تتألق عيناها‬           ‫أزمة النساء المنكوبات‬                     ‫عكسية‪ ،‬فالمكان كما وصفه‬
    ‫الواسعتان‪ .‬تدور حول‬           ‫بالفقد والعذاب بغياب‬                      ‫الروائي إبراهيم عبد المجيد‬
                              ‫الرجل المقرب منهن‪ ،‬فهذه‬                         ‫في مشهد الافتتاح‪« :‬أمام‬
     ‫نفسها كغزال سعيد‪.‬‬       ‫أولى الإشارات لتحتل المرأة‬                     ‫البيوت العشرين‪ ،‬بالضبط‬
    ‫جلبابها قصير لم يفلح‬          ‫مركزية الرواية‪ ،‬وهذه‬                      ‫أمام العشش الصفيح التي‬
  ‫الشيخ مسعود أن يصله‬            ‫الأخيرة تنطلق من بنية‬                        ‫تتقدم البيوت العشرين‪..‬‬
   ‫للقدمين‪ .‬لم يرغب تركه‬         ‫اجتماعية بغياب الرجل‬                       ‫ولا هو يصل الجهة اليمنى‬
                                ‫تكون تأخ ُذ المرأ ُة دورين‬                   ‫بالصحراء البعيدة» ص‪.7‬‬
      ‫ينتهي عند الركبتين‬     ‫أساسيين‪ ،‬وتحظى بهويتها‬                         ‫مكان كبير لا يسكنه سوى‬
‫يكشف عن ساقين لدنتين»‬            ‫المستقلة‪ ،‬لكن تظل ندبة‬                      ‫العشرين بيتًا‪ ،‬وقريب من‬
                                  ‫في جسد المجتمع الذي‬                       ‫الصحراء وليس بصحراء‪،‬‬
                  ‫ص‪.10‬‬         ‫فق َد ركنًا مه ًّما هو الرجل‪،‬‬                 ‫لكنَّه لم يخ ُل من العلاقات‬
   ‫الن ّص الأدبي انطلق من‬      ‫وهذه محاولة من الكاتب‬                      ‫الاجتماعية‪ ،‬وهذا ما يوضحه‬
  ‫بنيتن اجتماعيتين‪ :‬الأولى‬    ‫لرفعها من التهميش‪ .‬وهذا‬                      ‫مشهد الحفل الذي يتشارك‬
   ‫زواج البنت القاصر من‬      ‫تطلّب منه أن يضفي صفات‬                        ‫به الأطفال والنساء‪ ،‬غير أن‬
‫رجل الدين‪ ،‬الثانية الجلباب‬    ‫التمرد على شخصية المرأة‬                       ‫الكاتب بمجرد غياب ضوء‬
‫القصير‪ .‬نتوقف عند الأولى‬      ‫في الرواية‪ ،‬وتطالعنا سعاد‬                       ‫النهار يقرر إنهاء الحفل‪:‬‬
  ‫فهي ظاهرة مستمرة إلى‬         ‫‪-‬الشخصية البطلة‪ -‬فهي‬                           ‫«وفجأة كف الصبية عن‬
  ‫يومنا‪ ،‬لكن السؤال‪ :‬لماذا‬     ‫شابة تزوجت من الشيخ‬                            ‫الانسحاب‪ .‬رأوا الأمهات‬
  ‫رجل الدين البالغ الكبير‬      ‫مسعود وهي فتاة قاصر‪،‬‬                        ‫خارجات من الدور مقبلات‬
‫ي ّصر على الزواج من الفتاة‬    ‫فكانت المرأة المحظية بح ّب‬                  ‫نحوهم» ص‪ .8‬لم يبدأ بسرد‬
    ‫الصغيرة؟ عقل الرجل‬             ‫الشيخ والشخصيات‬                          ‫تقليدي وإنما دخل الروائي‬
   ‫ما زال في ظلام البداوة‬                                                 ‫في الأزمة والحدث الكبير منذ‬
   ‫الأولى‪ ،‬فحتى بعد الدين‬            ‫الأخرى‪ ،‬ويظهر في‬                       ‫الاحتفال‪« :‬سعاد هي التي‬
                                  ‫الوصوف السردي لها‬                         ‫تبدأ وهي التي تنهي‪ .‬تقف‬
      ‫الأخير لم يتحرر من‬         ‫جزئيات هامشية لكنها‬                      ‫وسط الحلقة التي لم يتخلف‬
   ‫الرواسب القديمة‪ ،‬ظلت‬         ‫مؤثرة بمركزية الحدث‪:‬‬                         ‫عنها سوى زوجة المفتش‬
‫تنتقل إليه عبر الأزمان ولم‬                                                   ‫والعجوز أم جابر وزينب‪.‬‬
  ‫يتحرر منها لأ َّنه يرى أن‬                                                 ‫لم تندهش النساء من عدم‬
   ‫فائدة الزواج من الطفلة‬                                                   ‫خروج زوجة المفتش‪ ،‬فهن‬
‫القاصر منها الضمان بأنها‬                                                  ‫يعرفن أن زوجها رجل قاس‪.‬‬
 ‫لم تختلط بعلاقة مع رجل‬                                                    ‫كما يعرفن أن عدم مشاركة‬
‫سابق غيره‪ ،‬فشرف الرجل‬                                                       ‫أم جابر بسبب غياب ابنها‬
‫المشرقي يكمن في الأعضاء‬
   ‫التناسلية‪ ،‬وهذا مفهوم‬                                                        ‫منذ خرج من الصباح‪،‬‬
 ‫ترسب إلى حاضرنا‪ ،‬لذلك‬                                                     ‫وكذلك زينب فحامد زوجها‬
   ‫يختار الطفلة زوجة له‪،‬‬
  ‫ومن جهة ضمان إنجاب‬                                                         ‫لم يعد في موعده مع بقية‬
  ‫بشكل أسرع‪ .‬سعاد التي‬                                                    ‫العمال» ص‪ .9‬الن ّص يوضح‬
    ‫سارعت بالتخلص من‬
  ‫القماش الذي يلغي هوية‬
‫الجسد بشكل كامل‪ ،‬وهذه‬
   ‫يمكن أن نعدها محاولة‬
   223   224   225   226   227   228   229   230   231   232   233