Page 231 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 231

‫‪229‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

     ‫الأول‪ ،‬إذ كانت بائعة‬      ‫ظل ينظر إليها علها تنتبه‬          ‫مركزية المكان‬
  ‫سمك وهجرت البلدة إلى‬          ‫إليه‪ ،‬لكنها بعد أن انتهت‬      ‫(المدينة) وهامشية‬
 ‫المدينة‪ ،‬ويت ّم كشف سرها‬     ‫ولم تكن انتبهت إليه دلفت‬         ‫شخصية والمرأة‬
 ‫عن طريق علي الذي هرب‬        ‫خلف السرداق حيث أقيمت‬
  ‫من صدمة سميرة (نانا)‬                                             ‫المدينة ترفض الغريب‬
 ‫الراقصة الجميلة إلى المرأة‬      ‫غرفة للفرقة» ص‪.176‬‬               ‫الوافد إليها ولا تفتح له‬
    ‫التي حدثه عنها زميله‪،‬‬      ‫شخصية سميرة هي من‬                  ‫أبوابها‪ ،‬فيقع بين ناري‬
   ‫الساكنة شرقي المدينة‪،‬‬       ‫المتخيل لكنها موجودة في‬          ‫الغربة والاغتراب‪ ،‬وهكذا‬
‫فوصلا إلى بيتها و‪« :‬كانت‬       ‫مجتمعاتنا العربية‪ ،‬سيما‬            ‫نجد شخصيات الرواية‬
 ‫العجوز المتشحة بالبياض‬          ‫المرأة الهاربة من القرى‬        ‫التي وفدت إلى المدينة بعد‬
  ‫قد دخلت حجرة مواجهة‬            ‫إلى المدينة والتي تضطر‬         ‫انقطاع القطار عنهم‪ ،‬ولم‬
‫وعادت بعد لحظات فقدمت‬            ‫للعمل بأماكن مرفوضة‬          ‫نستطع أن نكشف تحولات‬
  ‫لهما سجائر وهي تقول‪:‬‬                                        ‫المرأة الاجتماعية في الرواية‬
   ‫قلي ًل وسيخرج الزبون‪.‬‬           ‫اجتماعيًّا‪ ،‬فيحتضنها‬        ‫إلا عبر شخصية (علي)‪ ،‬إذ‬
 ‫لقد تأخرتما كثي ًرا‪ ..‬وبعد‬    ‫البغاء وغيره من الأعمال‪،‬‬        ‫قام الروائي بتدرج الحدث‬
                             ‫والكاتب إبراهيم عبد المجيد‬        ‫السردي عبر شخصية علي‬
    ‫لحظات قليلة يئس من‬          ‫لم يغفل عن معالجة هذه‬        ‫الذي كان طف ًل فدخل المدينة‬
  ‫خلالها من ك ِّل شيء ولم‬                                      ‫شا ًّبا فقي ًرا يتميًا‪ ،‬يملك من‬
   ‫يعد يشعر حتى بوجود‬             ‫القضية فت ّم طرحها في‬       ‫الوعي والفلسفة التي أخذها‬
                               ‫الرواية‪ .‬وهنا تظهر المرأة‬         ‫بالفطرة من أبويه‪ .‬ولعل‬
     ‫زميله‪ ،‬خرجت إليهما‬          ‫بين القبول والرفض في‬           ‫من بين الشخصيات التي‬
 ‫زينب زوجة حامد! زينب‬            ‫مجتمع يحمل ازدواجية‬             ‫يعثر عليها علي في المدينة‬
 ‫التي ما رآها إلا محتشمة‬       ‫بشخصيته‪ ،‬فيراها الرجل‬            ‫هي سميرة بنت عبد الله‪،‬‬
                              ‫عاهرة‪ ،‬لكنه يستمتع معها‪،‬‬        ‫والتي أحبت مرسي المسافر‬
     ‫فوقها تل من الثياب‪،‬‬       ‫يقبلها في الليل ويرفضها‬           ‫حارس القطار‪ ،‬واختفت‬
    ‫وفي ذيل جلبابها تعلق‬                                     ‫حتى قيل إن البحيرة ابتلعتها‬
   ‫أطفالها الثلاثة‪ ..‬ترتدي‬        ‫في النهار‪ ،‬وهذا يجلعنا‬      ‫وظلت ذكرى تنزف في قلب‬
   ‫الآن قميص نوم يفضح‬             ‫نتساءل إن كان وجود‬           ‫أهلها‪ .‬لكن علي عند تجواله‬
‫جسدها البرونزي‪ ..‬جلست‬           ‫المرأة العاهرة والراقصة‬         ‫يعثر عليها‪« :‬كانت تتلوى‬
 ‫زينب فوق الأرض باسمة‬           ‫بالمجتمع خط ًرا؛ لماذا إلى‬   ‫شبه عارية أمامه على خشبة‬
‫متحيرة قلي ًل‪ .‬كانت جميلة‬         ‫الآن لم تعالج الجهات‬            ‫المسرح‪ .‬الأضواء حوله‬
     ‫تبدو كمصباح صغير‬             ‫المختصة هذه القضية؟‬          ‫وفوقه‪ .‬النساء جالسات في‬
    ‫شاحب في ليلة مظلمة‪،‬‬         ‫لماذا لا يؤ ّمن لها المجتمع‬   ‫الصفوف الأمامية والفتيات‬
 ‫قال‪ :‬كيف حالك يا زينب؟‬        ‫والقانون كرامتها بالعيش‬       ‫والأطفال‪ .‬في الخلف كان هو‬
     ‫اضطربت بهدوء ماذا‬       ‫لكي تحتفظ بذاتها المركزية؟‬      ‫وسط الرجال الذين يتحلقون‬
  ‫تقول؟ رفع وجهه ونظر‬         ‫إذن هي مرفوضة في العلن‬            ‫مناضد كثيرة‪ ..‬نهض من‬
   ‫إليها نظرة طويلة ثابتة‪،‬‬     ‫فقط‪ ،‬لكنها مرغوبة س ًّرا‪،‬‬         ‫بين الرجال واقترب من‬
  ‫قال‪ :‬كيف حالك يا زينب‬          ‫وهذا يكشف عن تواطؤ‬           ‫خشبة المسرح‪ .‬إنها سميرة‬
    ‫ألس ِت زينب» ص‪.186‬‬       ‫المجتمع وذكوريته في إذلال‬            ‫الجميلة ولا أحد غيرها‪،‬‬
    ‫المشهد السابق يوضح‬       ‫المرأة‪ .‬وتستمر هذه الظاهرة‬
  ‫التحول الاجتماعي الذي‬          ‫‪-‬عمل المرأة القروية في‬
   ‫طرأ على شخصية زينب‬         ‫المدينة‪ -‬في شخصية زينب‬
                                 ‫التي ذكرناها في القسم‬
   226   227   228   229   230   231   232   233   234   235   236